السياسة

برلمانية من سوس تطالب بمواجهة الإكراهات المرتبطة بتوصيل الماء الى ساكنة الوسط القروي

توصل النوقع بمداخلة النائبة البرلمانية نعيمة الفتحاوي
باسم المجموعة النيابية للعدالةوالتنمية؛ في الجلسة السنوية لتقييم السياسات العمومية المخصصة لمناقشة تقريرالمجموعة الموضوعاتية حول السياسة المائية بالمغرب. ننشرها كاملة تعميما للفائدة.

“يطيب لي باسم المجموعة النيابية للعدالة والتنمية أن أساهم معكم في هذه الجلسة السنوية لتقييم السياسات العمومية المخصصة لمناقشة تقرير المجموعة الموضوعاتية حول السياسة المائية، وبصفتي عضوة في المجموعة الموضوعاتية يشرفني أن أنوه بالعمل الجبار الذي قامت به هذه المجموعة رئيسا وأعضاء لإخراج هذا التقرير المهم من تدبير المهمة، وجمع المعطيات
وتحليلها، إلى صياغة الخلاصات والاستنتاجات، وصولا إلى بلورة التوصيات. ولا يفوتني أن أشكر كل المؤسسات والقطاعات التي تفاعلت مع اللجنة بما هو مطلوب. كما أنوه بِجدية اللجنة وبالجهود المبذولة من طرف الجميع لإنجاح مهمتها.
لقد أسند الدستور وظيفة تقييم السياسات العمومية إلى البرلمان؛ حيث نص الفصل 70 منه على أن يمارس إضافة إلى وظائفه التقليدية المتمثلة في التشريع والرقابة اختصاص تقييم السياسات العمومية.
ويُعتبر تقييمُ السياسات العمومية آلية تحليلية وتقييمية تُمكن صناع القرار والمسؤولين عموما من تقييم مدى نجاح السياسة العمومية في قطاع ما والآثار المترتبة عنها، لما يوفره من معلومات موثوقة ومفيدة حول مدى ملاءمة وفعالية ونجاعة السياسات العمومية؛ وذلك بهدف ضمان تدبير أفضل واتخاذ قرارات تتعلق بالاستمرار في تلك السياسة أو تعديلها أو إيقافها والبحث عن بدائل لها.
لا يجادل اثنان اليوم في كون مسألة الماء من القضايا المحورية التي تحظى بالكثير من الاهتمام نظرا لمركزية قضية الأمن المائي وعلاقتها الوثيقة بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. واستشعارا بالمخاطر التي تحد من تحقيق سلاسة الولوج للماء.
وكلنا نتذكر تأكيد جلالة الملك حفظه الله على إشكالية الماء في خطابه الافتتاحي للدورة الأولى من السنة التشريعية الحالية بقوله: “وقد ارتأينا أن نركز اليوم، على موضوعين مهمين أحدهما يتعلق بإشكالية الماء، وما تفرضه من تحديات ملحة، وأخرى مستقبلية. فالماء هو أصل الحياة، وهو عنصر أساسي في عملية التنمية، وضروري لكل المشاريع والقطاعات الإنتاجية. ومن هنا، فإن إشكالية تدبير الموارد المائية تطرح نفسها بإلحاح، خاصة أن المغرب يمر بمرحلة جفاف صعبة، هو الأكثر حدة، منذ أكثر من ثلاثة عقود.”
علاوة على ذلك، حرص جلالته على مواصلة إحاطة موضوع الماء بالعناية الملكية اللازمة، من خلال إشرافه على وضع استراتيجيات وبرامج تتعلق بالسياسة المائية وكذا ترأسه لمجموعة من الاجتماعات المخصصة لدراسة موضوع الماء وتثمينه.
ولقد مكنت التوجيهات الملكية السامية والرؤية السياسية التنزيلية للحكومات السابقة من إكساب البلاد بنية تحتية هامة تتكون حاليا من 152 سد كبير تصل سعتها ل 20 مليار متر مكعب، و136 سد صغير تصل قدرتها التخزينية إلى 100 مليون متر مكعب، بينما هناك 18 سدا كبيرا في طور الانجاز بسعة تناهز 2 مليار متر مكعب، و9 محطات لتحلية مياه البحر بقدرة 147 مليون متر مكعب في السنة بالإضافة إلى آلاف الآبار والأثقاب لاستخراج المياه الجوفية، ومنشآت لتحويل المياه.
رغم أهمية المكتسبات التي تحققت، والتي بوأت المغرب مكانة متميزة في مجال الماء على الصعيد الدولي، إلا أن القطاع ما يزال يشكو من بعض النواقص، كما أشار تقرير النموذج التنموي الجديد إلى معظمها. وعلى الحكومة معالجتها وجعلها ضمن أولوياتها.
وحسب تقرير النموذج التنموي فإن الوضع المائي بالبلاد مقلق جدا. ويعكس هذا الوضع الهشاشة القوية للمغرب إزاء التغير المناخي، لكن أيضا بسبب كيفية استعمال الماء التي لا تراعي ندرته. إن تسعيرة الماء الصالح للشرب أو للاستعمال الصناعي أو لأغراض السقي لا تعكس الكلفة الحقيقية لهذا المورد ولا تحفز على اللجوء الى الموارد البديلة.
لقد قامت الحكومات السابقة بمجهود مهم في هذا المجال بإعداد البرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي الذي يعتبر مرحلة أولى للمخطط الوطني للماء.
ولقد انخرط المغرب مبكرا في عملية التدبير المندمج، غير الممركز، والمنسَّق للموارد المائية؛ ولهذا الغرض، تم إحداث آليات من ضمنها وكالات الأحواض المائية، ومأسسة المجلس الأعلى للماء والمناخ، ووضع البرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي 2020- 2027، المخطط الوطني للماء- 2050، والاستراتيجية الوطنية للماء 2009، والقانون الإطار رقم 99-12 بمثابة ميثاق وطني للبيئة والتنمية المستدامة، والقانون 11.12 المتعلق بسلامة السدود، والبرنامج الوطني للتطهير المشترك وإعادة استعمال المياه العادمة، وبرنامج توسيع الري في سافلة السدود، والبرنامج الوطني لاقتصاد الماء في مجال السقي والذي يهدف الى التحول إلى سياسة لتعميم الري الموضعي من خلال تنمية الشراكة بين القطاعين العام والخاص في مجال السقي سعيا لتحويل %70 من المساحات المسقية مع حلول سنة 2050. كما اتم إطلاق برنامج تحسين المردودية بالنسبة لشبكات توزيع الماء الشروب والماء المستعمل لأغراض صناعية وسياحية؛ والذي يستهدف الوصول الى نسبة %85 في أفق 2040، وتطوير البنيات التحتية لتعميم إيصال الماء الشروب، حيث تم تأمين التزود بهذه المادة في الوسط الحضري بشكل كامل وبنسبةٍ بلغت أكثر من %98.2 في الوسط القروي.
ولتلبية الطلب المتزايد على الماء، أطلقت الحكومات السابقة العديد من المشاريع الهادفة إلى تعبئة الموارد المائية غير التقليدية، خُصوصاً فيما يتعلق بتحلية مياه البحر؛ إذ أصبحت الطاقة الإنتاجية الحالية لمحطات تحلية المياه حوالي 205 ألف متر مكعب في اليوم بإنشاء 12 محطة لتأمين الحاجيات من الماء الشروب، وتركت 5 محطات في طور الإنجاز ستمكن من تحلية 47 ألف متر مكعب في اليوم لتصل الطاقة اليومية إلى مليون و300 ألف متر مكعب بعد انتهاء الأشغال الجارية لإنشاء المحطات الإضافية في أفق 2035.
أصبحت وضعية الموارد المائية- حسب تقرير رسمي- تبعث على القلق، نظرا لاستمرار العوامل المرتبطة بطبيعة النسيج الإنتاجي، فضلا عن تدبير “الرأسمال المائي”، الذي لا يرقى إلى مستوى التحديات والرهانات المستقبلية. ويُعتبر المغرب اليوم ضِمن 21 دولة التي ستواجه إجهادًا مائيًا شديدًا بحلول سنة 2040؛ نظرا للتقلبات المناخية التي عرفتها البلاد في السنوات القليلة الأخيرة وقلة التساقطات؛ مما أدى إلى استنزاف جزء مهم من المخزون المائي للبلاد، والطلب المتزايد على الماء، والاستغلال المفرط وغير المعقلن لهذا الأخير.
وقد أكد جلالة الملك في خطاب افتتاح البرلمان المشار إليه آنفا أن المغرب “أصبح يعيش في وضعية إجهاد مائي هيكلي. ولا يمكن حل جميع المشاكل بمجرد بناء التجهيزات المائية المبرمجة، رغم ضرورتها وأهميتها البالغة”
لقد ارتفع معدل نصيب الفرد الواحد من الموارد المائية المتجددة في الفترة ما بين سنتي 1960 و2020، من 2560 متر مكعب للفرد في السنة إلى حوالي 620 متر مكعب للفرد في السنة، مقتربا بذلك على نحو سريع من العتبة المطلقة لندرة المياه (500 متر مكعب للفرد في السنة) في أفق سنة 2030.
ويمكن أن يؤدي نقص المياه أو غيابها إلى خنق النشاط الإنتاجي لتلك القطاعات الرئيسية مع عواقب سلبية واضحة على الاقتصاد برمته كما أكد ذلك تقرير للمندوبية السامية للتخطيط.
تُؤَمن المياه الجوفية (4 مليار متر مكعب) سقي ما يعادل 40 % من المساحة المسقية للبلاد، وتزود 90 % من الساكنة القروية بالمياه العذبة مما يؤدي إلى استنزاف المخزونات الاستراتيجية وتعريض الفرشات المائية الجوفية بسبب عدم تجديد المخزون.
ويبلغ استهلاك قطاع الفلاحة من المياه حوالي 8 مليار متر مكعب سنويا، في حين لا يستهلك قطاعا الصناعة والخدمات سوى جزء محدود، أي حوالي 1.21 مليار متر مكعب. وبذلك تعتبر الفلاحة هي المستهلك الرئيسي للموارد المائية بالمغرب: ما يناهز %87.
ومن المثير للقلق أن %30 من مخزون المياه بسدود المملكة غير قابلة للاستغلال بسبب التوَحُّل، وأن الكسب الضائع يقدر بأكثر من 1.2 مليار متر مكعب.
لقد بينت التجربة الدولية بأن مواجهة ندرة المياه تتطلب الربط بين الحلول الهندسية وسياسات فعالة لتدبير الطلب على الماء؛ لذلك لابد من إعادة النظر في الخيارات المتعلقة بأساليب الإنتاج الفلاحي، مع مراعاة عامل ندرة المياه، وهو ما أكده جلالة الملك في افتتاح الدورة التاسعة للمجلس الأعلى للماء والمناخ بأكادير، قبل عقدين من الزمن، وأعاد تأكيده في خطاب العرش سنة 2000، حيث اقترح جلالته إعادة النظر في نوع الزراعات المستهلكة للماء أو المتضررة من الجفاف، وتشجيع الزراعات المقتصدة للماء.
يتبين من فحص القانون 15.36 أن تطبيقه يستلزم صياغة 72 نصًا تنظيميًا، وأن عدد التي تمت المصادقة عليها ونُشرت في الجريدة الرسمية لا يتجاوز سبعة نصوص تطبيقية. وهو عائق حقيقي أمام تطبيق مقتضيات القانون 36-15 المتعلق بالماء. وهذا راجع الى عدم تحديد أجل زمني لنشر النصوص التطبيقية الخاصة بالقانون.
على الرغم من النجاح الذي حققته سياسة الماء بالمغرب، لا بد من التغلب على العديد من الإكراهات والتحديات التي لا تزال قائمة وهناك إجراءات وتوصيات مستعجلة ورد بعضها في تقرير اللجنة، ومنها على وجه الخصوص:
تسريع إنجاز المشاريع التي يتضمنها البرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي للفترة 2020-2027، في كل جهات ومناطق المملكة،
فصل قطاع الماء عن المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشر،
إنشاء وكالة وطنية لتدبير الماء تعوض اللجنة الوزارية للماء الحالية،
إنشاء هيئة لضبط قطاع الماء بوصفه قطاعا استراتيجيا؛ على غرار الهيئة الوطنية لضبط الكهرباء،
اتخاذ التدابير الضرورية لتنفيذ القانون -الإطار 12.99،
إخضاع المخططات والقوانين المتعلقة بالماء والتنمية المستدامة للتقييم والمراجعة،
تعدد المؤسسات المكلفة بالماء،
سرعة العمل، وتطبيق القانون، والصرامة في تنفيذ الحكامة.
ضرورة العمل للمحافظة على المياه الجوفية والسطحية والأوساط المائية كما وكيفا،
توفير المعلومات البيئية والمناخية والمائية، وتوسيع ولوج الخبراء والباحثين للمنظومة الوطنية للمعلومات حول الماء
تشجيع برامج البحث والتطوير في مجال المياه والمناخ
إعادة النظر في تهيئة المساحات الخضراء وأخذ شح المياه بعين الاعتبار
إعداد مشروع القانون المتَعَلق بالمناطق القروية والجبلية الموصى به من طرف المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي؛
تطوير أنظمة حكامة تتسم بالتجديد لأجل مواجهة التحديات الكبرى في قطاعي الماء والفلاحة
تكثيف حملات التوعية والتحسيس لإقرار التعامل العقلاني مع الموارد المائية.
ضرورة الاستعمال الأمثل للموارد المائية بتفضيل توسيع المساحات المسقية لصالح الزراعات التي تساهم في ضمان الأمن الغذائي الوطني،
كما أن هناك ظواهر وإشكالات على الحكومة الاسراع في معالجتها، ومنها:
الإشكالات المتعلقة بمخطط المغرب الأخضر وباستراتيجية الجيل الأخضر 2020- 2030 والاستهلاك غير العقلاني للماء،
التأخر في تطبيق المقتضيات التنظيمية للقانون 36.15 المتعلق بالماء،
الكلفة المرتفعة لتعبئة الموارد المائية غير التقليدية،
تعثر إنجاز بعض المشاريع المهيكِلة؛ ومنها تعثر إنجاز محطات تحلية مياه البحر.
تزايد مصادر تلوث المياه السطحية والجوفية،
الإكراهات المرتبطة بتوصيل الماء الى ساكنة الوسط القروي في ظل الجفاف وارتفاع كلفة التوصيل،
حماية الفرشاة المائية من الاستنزاف المفرط،
عرفت الفترة الأخيرة عددا كبيرا من الصفقات الملغاة في مجال الماء؛ لذلك لا بد من فتح بحث معمق.
إن المزايدات ومحاولات إلقاء الفشل على الحكومات السابقة لن يحل الاشكال لان الحكومة كلفت لإيجاد الحلول ومواجهة المشاكل وليس لإلقاء عجزها على الحكومات التي قبلها. كما أن عليها أن تتوفر على الجرأة الكافية لمقاربة موضوع الماء بالشكل المطلوب ومواجهة مشاكله وتعقيداته بما يلزم.

          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى