بإصبع واحدة.. مهدي مالك لا يتكلم ولا يتحرك يُصدر كتابين وبصدد كتابة الثالث
(وكالة أنباء العالم العربي) – رغم إعاقته الجسدية شبه الكاملة، يثابر المغربي مهدي مالك بجسده النحيل وإرادته الصلبة على متابعة آخر الإصدارات الأدبية والثقافية، وعلى التأليف والكتابة على الحاسوب بإصبع واحدة، حتى أنه تمكن من إصدار كتابين ويعمل حاليا على تأليف الثالث بلا كلل.
مالك الذي يقطن مدينة أغادير بجنوب المغرب لا يتكلم ولا يتحرك، ويقضي معظم وقته على كرسيه المتحرك. ونظرا لظروفه الصحية، لم يدخل المدرسة وتلقى تعليمه الكامل في عدد من الجمعيات المحلية، غير أنه تمكّن بمثابرته ودأبه وذكائه من أن يدخل عالم التأليف والكتابة.
وُلد مالك (41 عاما) بمدينة الدار البيضاء، ولم يستطع الجلوس بشكل طبيعي حتى عمر عشر سنوات بعدما خضع للعديد من الجلسات الطبية في مراكز العلاج الطبيعي.
لم يدخر والداه جهدا في السعي لحل لمشكلته، وظلا يتنقلان به بين الأطباء والمراكز المتخصصة بكل من مدينتي الدار البيضاء والرباط. تمكن الابن أخيرا من الجلوس، لكنه لا يستطيع الكلام نهائيا.
قال أبوه “ليس هينا ولا سهلا علينا مراعاة طفل يشكو من إعاقة جسدية من ولادته إلى أن أصبح شابا، وخاصة والدته التي تحملت تعب السهر معه، خصوصا خلال أول سنتين من عمره حيث كان لا ينام البتة ويقضي الليل كله يصرخ أو يبكي”.
والأب، محمد مالك، موظف متقاعد. وروى في حديثه مع وكالة أنباء العالم العربي (AWP) كيف أنه، رغم صعوبة حالة ابنه، لم يفقد الأمل في أن يشفى يوما أو على الأقل في أن يحيا حياة طبيعية أو شبه طبيعية.
* طلب زواج في رسالة
انتقلت العائلة للعيش في مدينة أغادير عام 1992 حيث بدأت جلسات العلاج الطبيعي وتقويم النطق في مستشفى الحسن الثاني.
وفي مايو أيار 1995، تأسست جمعية (آباء وأصدقاء الأطفال المعاقين ذهنيا) بمنطقة سوس بجنوب البلاد، وكان الأب محمد مالك من بين مؤسسيها، وكان هدف الجمعية حينها مساعدة الأسر الفقيرة التي لديها طفل معاق.
وعندما أسست طبيبة فرنسية تدعى فرانكا بصير (مؤسسة الوردة الرملية) لاستقبال الأطفال المعاقين في مدينة أغادير في يناير كانون الثاني 1996، كان مهدي مالك أول طفل يلتحق بها وظل يرتادها حتى عام 2004.
المغربي مهدي مالك الذي لم تمنعه إعاقته من التأليف والكتابة بإصبع واحدة وهو في بيته بمدينة أكادير وسط المغرب (29 مارس 2024) في الصورة مع الصحافي الحسن باكريم.
ويبدي الأب افتخاره بابنه الذي أصبح كاتبا يُصدر مؤلفات وتقام له احتفاليات، ويقول “أنا فخور به وأعتبره امتحانا من الله لمدى صبري، وهو اليوم مؤنسنا أنا ووالدته”.
ومهدي الآن متزوج وأب لثلاثة أطفال أصحاء وأذكياء جدا بحسب وصف الجد الذي قال عنهم “هم جنتي في الدنيا وهم جزاء صبرنا مع والدهم. وزوجته طيبة وهي من تعتني بجميع أفراد الأسرة بعد أن كبرنا في السن أنا ووالدته”.
وعن ظروف زواجه، حكى الأب واقعة طريفة. قال إن ابنه بعدما بلغ 26 عاما كتب رسالة يطلب فيها منه تزويجه، وهو الأمر الذي تفهمه الوالد وشرع بجدية في البحث عن زوجة لابنه. غير أن ذلك استغرق منه عشر سنوات كاملة بعد أن رفضته العديد من الفتيات لحالته الصحية، حتى قبلت به زوجته الحالية.
* مناضل بالحركة الأمازيغية
لمهدي أخ طبيب وأخت طبيبة نفسية، وهو يعيش رفقة أسرته في مدينة أغادير ويعتبر نفسه مناضلا في صفوف الحركة الأمازيغية، كما أنه متابع جيد للشأن السياسي والنضالي الأمازيغي.
وقال والده إنه كان يشجعه على القراءة والتعلم، وكان يعتبر التعليم هو السبيل الوحيد لإخراجه من سجن عدم النطق والحركة، وكان يشتري له كتبا كثيرة، حتى أنه كوَّن خزانة ضخمة ببيته وكان يُلزمه حين كان شابا بقراءة خمسة كتب في شهر رمضان على الخصوص.
واستغرق الأمر سنوات طويلة كي يتعلم مهدي قواعد اللغة العربية بمساعدة أفراد عائلته حتى تمكن من نشر أول مقال له بالموقع الإلكتروني لمجلة (الحوار المتمدن) عام 2005، وكان حول موضوع الأمازيغية. وتابع نشر مقالاته بإحدى الصحف المحلية بالمدينة.
وفي عام 2010، بدأ ينشر مقالات حول فن (الروايس) الذي يقوم على الكلمات والأغاني الأمازيغية، وحول كل ما يخص الثقافة الأمازيغية. وأغنى مهدي مالك ذاكرته وشحذها بقراءة العديد من الكتب الأدبية والتاريخية والسياسية. وعن الشأن السياسي، كتب “أدركت أن العلمانية ليست دخيلة من فرنسا، بل هي أصيلة في مجتمعنا الأمازيغي”.
وصدر له أول كتاب عن سيرته الذاتية بعنوان (صوت المعاق) في أبريل نيسان 2012.
وعكف مهدي منذ صيف عام 2013 على تأليف كتابه الثاني (الأمازيغية والإسلام وأيديولوجية الظهير القامعة لهما)، وصدر الكتاب في عام 2023 وتم عرضه في المعرض الدولي للكتاب والنشر بالرباط في يونيو حزيران من العام نفسه. وتقديمه مؤخرا بمدينة أكادير بمناسبة الأنشطة الثقافية الرمضانية.
تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News