الثقافةالرأي

الهوية الأمازيغية: مواجهة الافتراءات والتمسك بالتراث الثقافي..

  • مصطفى أيتوعدي //

 من عجائب الزمان وأغرب ما يمر على الإنسان في تاريخه الثقافي أن نجد من يساوي بين الهوية والعدوان، وبين التاريخ والعنف. ولعل أبرز تلك المواقف المؤسفة هو ما جاء به بعض المدافعين عن أفكار مغلوطة، مثل زعم أن السنة الأمازيغية، التي تعتبر جزءاً لا يتجزأ من التراث الثقافي الأصيل لكل الأمازيغ، هي مؤامرة صهيونية أو تهديداً لسلامة الهوية. ولكن من واجبنا، بل من مسؤوليتنا كأفراد يحملون قيم العقل والتنوير، أن نقف بحزم ضد هذه الاتهامات الباطلة وأن نفكك هذه الأفكار السطحية التي لا تعدو كونها إساءة للإرث الأمازيغي.

لن أرد رداً أكاديمياً، لأن لا الموقف ولا الشخص يستحقان مثل هذا النوع من الردود. ليس لأنني أقلل من أهمية العقل والمنطق، بل لأن الرد الأكاديمي، في هذه الحالة، يعد نوعاً من التعاطي مع مسألة لا تستحق إلا التجاهل. الشخص الذي طرح هذا الموقف لا يمتلك أساساً علمياً يمكن البناء عليه في نقاش منطقي، بل هو مجرد شخص أجوف علمياً لا يستطيع أن يقدم أكثر من محاكاة مائعة لأفكار مغلوطة لا تملك سوى سطورا فارغة ومقولات مسيئة. أن يُطالب الإنسان بالرد على مثل هذه المواقف الأكاديمية هو بمثابة ظلم للهوية نفسها، إذ لا يجوز لأحد أن يضع نفسه في موقف الدفاع عن شيء هو أصلاً ملك لأصحابه وعلى أرضهم. الهوية المغاربية الأمازيغية، ليست بحاجة إلى محامٍ يثبت أحقيتها أو يوضح مكانتها في هذا الكون؛ فهي أعمق من أن يُساء إليها بمثل هذه التفاهات.

هي هوية راسخة في الأرض، في الجبال، في السهول، في الأنهار، وفي كل زوايا الذاكرة التاريخية للمنطقة. هي هوية لا تحتاج إلى شهادة من أحد لكونها حية، تزدهر في ثقافتها، في لغتها، وفي ممارساتها اليومية التي لا يمكن أن تُختزل في مجرد سرديات وافدة. من يزعم أن الهوية الأمازيغية أو المغاربية بحاجة إلى تثبيت من الآخرين كأنها شيء دخيل أو غريب، هو في الحقيقة من يرتكب أكبر خطأ في حقها، لأنه يمس بقدرتها على الوجود الطبيعي المستقل والمستمر عبر الزمان. نحن هنا، في أرضنا، بين أهلنا، وأصواتنا لا يمكن أن تختفي في غياهب التاريخ أو السياسة العابرة. فالتفاعل مع هذه الأفكار السطحية لا يعكس سوى استنزافاً للوقت والطاقة في الدفاع عن ما لا يحتاج إلى دفاع، في الوقت الذي ينبغي فيه أن نحتفل ونفخر بكوننا على أرضنا، ونعيش تاريخنا بحريّة واعتزاز.

أولاً، لا يمكن لأي عاقل أن يتصور أن سنة أمازيغية قديمة، لها جذورها في الأعماق التاريخية لشعب من أقدم الشعوب في شمال إفريقيا، هي مؤامرة أو تهديد لثقافة معينة. فالسنة الأمازيغية ليست إلا شاهداً على تطور الإنسان الأمازيغي، الذي عاش على هذه الأرض منذ آلاف السنين. هي ليست بدعة صهيونية أو خطة خفية، بل هي تذكير بتاريخ طويل من العطاء والحضارة. ربما كان البعض يظن أن من خلال التلاعب بالكلمات أو بث الشكوك حول عراقة هذا التراث الأمازيغي، يمكنهم تشويه الحقائق. لكن الحقيقة لا يمكن أن تُغيَّب مهما حاول البعض تشويشها.

إن النظر إلى السنة الأمازيغية كتهديد هو مجرد محاولة يائسة للتقليل من قيمة ثقافة شعب طويل العهد. فالأمازيغية ليست غريبة عن تاريخ المغرب أو شمال إفريقيا، بل هي جزء من روحه وثقافته، من حكاياته وأساطيره. عندما نحتفل بهذه السنة، لا نحتفل بحدث عابر، بل بنمط حياة، ونحتفل بالزراعة، والموسيقى، والفن، والعادات، والأعياد التي تعود إلى أجدادنا. هؤلاء الأجداد الذين شكلوا جزءاً أساسياً من هوية المنطقة قبل أن تتأثر بالعديد من الثقافات والحضارات.

إن الاحتفال بالسنة الأمازيغية رمز من رموز الحرية الثقافية. ففي عالمنا المتنوع، لا ينبغي لنا أن نخشى من التعددية أو من المحافظة على التراث الأصيل. بدلاً من الانجرار وراء خطاب الإقصاء، يجب أن نتوجه نحو تعزيز التفاهم، والتضامن بين جميع مكونات المجتمع المغربي. لا يجوز لنا أن ندع بعض الأصوات المتطرفة تهدد الوحدة والتماسك الاجتماعي، أو أن تساهم في إحداث الفتن بين أطياف الشعب الواحد.

إن الهوية الأمازيغية لا تحتاج إلى دفاع مستمر، فهي حية في قلوبنا، وفي لغتنا، وفي عاداتنا التي نمارسها كل يوم. في النهاية، لن ينال أحد من عزيمتنا في الحفاظ على تراثنا ومواصلة الاحتفال به، لأن السنة الأمازيغية ليست مجرد تاريخ، بل هي امتداد لحاضر نعيشه ومستقبل نبنيه بكل فخر واعتزاز.

https://www.facebook.com/mustapha.aitouaddi.5

          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى