النكبة الفلسطينية المعاصرة.. المآلات والعواقب
- د.يوسف حسن //
أكثر من 220 يوما على الحرب الانتقامية والإبادة الجماعية التي يشنّها الإحتلال الإسرائيلي ضد أهالي غزة المنكوبين.
كما نعلم جميعاً فقد قتل 35 ألف فلسطيني ومن بينهم أكثر من 14 ألف طفل، وهناك حوالي 8000 شخص في عداد المفقودين ونزح مليوني شخص وأصيب ما لا يقل عن 76500 مواطن من أهالي القطاع.
ويواجه أكثر من مليون شخص انعدام الأمن الغذائي وظروفا كارثية.
ورغم المقترحات والجهوى لتحسين الأوضاع فإن معاناة الشعب الفلسطيني مستمرة. وفي هذه الأثناء تناقش إسرائيل بغطاء أمريكي وبدعم دول أخرى وقفا محتملاً لإطلاق النار، ما قد يُفضي إلى ما يسمونه اليوم التالي للحرب في غزة.
وغالباً ما تملي هذه المناقشات بحث المستقبل دون مشاركة الفلسطينيين، وهو النمط الذي شهدنا للأسف منذ عام 1948م. وبعد حمام الدماء الذي تسبّب به الإحتلال في غزة ما تزال الأوضاع “مكانك راوح” وهذا أمر مُحبط. وفي الوقت نفسه فإن المشهد السياسي في فلسطين منقسم وغير مستقر.
لا يمكن أن تغيب عن عقول الكثير من البشر سواء كان ذلك في المنطقة او العالم هذه الحرب الإجرامية بحق أهالي غزة باعتبارها استمراراً للمأساة التي حدثت عام 1948 م بحق الفلسطينيين بشكل عام.
إذ إنبثقت الصهيونية كأيديولوجيا أصولية وعنصرية مُتطرّفة. مع ذلك يرى الكثير أن هذه الحرب هي تجسيد للإجرام بحقّ الإنسانية بكافة الأبعاد ونموذج للقسوة وجرائم الإبادة الجماعية التي انكشفت أمام أعين الجمهور. ولم تؤدّ هذه الإيديولوجيا إلى وصول الصهيونية إلى نهايتها الطبيعية فحسب بل في نواح عديدة زادت الطين بلّة وبلغت بالصهاينة مرحلة التطرّف الإجرامي المُطلق.
إمّا عن الحصانة التي تتمتع بها الصهيونية هي عدم نصرة فلسطين وإظهار الشعب الفلسطيمي على أنه شعب عديم الضمير وشيطنته أمام مرأى العالم، والترويج لإعتقاد مُفاده أن إسرائيل لا ترتكب الأخطاء وتلتزم بحقوق الانسان.
وبدعم من الغرب و القوى الاستعمارية تم غرس هذه المُغالطات في أذهان شعوب العالم. وقد أدى هذا الدعم الغربي الأعمى لإسرائيل بأن تمضي الأخيرة إلى هذ المستوى من إرتكاب المجازر وجرائم الإبادة الجماعية بحق شعب بأكمله.
في السابق كان هذا التطهير رمزياً لكنه الآن يتم على المستوى الجسدي ويظهر الرغبة في إزالة هوية تاريخية أو ثقافية بأكملها. قتل المدنيين وتدمير المدارس والمستشفيات وتحديد و تغيير جغرافيا الأرض والتغيير الديموغرافي لسكان فلسطين يكشف دون أيّ ذرة شكّ أن مستوى القسوة ومجازر والإبادة الجماعية التي نشهدها هو القضية المفصلية التي نواجهها هذه الأيام. ناهيك عن أن سلوك إسرائيل لا يهدّد الإستقرار الإقليمي أو الفلسطيني فحسب بل يهدّد النظام الدولي المتعدد الأطراف برمّته وسيادة القانون على الصعيد العالمي.
إنتهج الإحتلال أسلوب القوّة الهمجية الى أقصى الحدود وهي مجردة من أية سمات إنسانية، ومن الخطير جدا تنفيذ مثل هذا العدوان الوحشي دون أي قيود أو تحمّل للمسؤولية. وما يحدث ليس مجردة حملة عابرة أو هجمة مؤقتة أو برنامج مناهض للفلسطيين بل هو برنامج هيمنة طويل الأمد سيحطّم جميع أركان المنظومة القانونية الدولية.
خير دليل على ما أوردناه سالفاً هو: أولاً، حجم هذا الهجوم والدمار أكبر بكثير من الدمار الذي وقع يوم النكبة، ولإثبات صحّة ذلك ما علينا سوى مقارنة المذبحة التي وقعت في النكبة الأولى بأي هجوم على مجتمع صغير في غزة، لنتأكد بعدها أن مستوى القسوة يفوق الوصف والخيال.
ثانياً: لقد كشفت هذه الحرب عن الهدف الحقيقي لإسرائيل ، ما تريده الأخيرة من هذا العدوان الهمجي هو بعث رسالة واضحة للغاية إلى جميع الفلسطينيين والعالم، مفادها أن اسرائيل لا تريد حلّ الدولتين، ولن تعترف بأن ملايين الفلسطينيين يعيشون الآن على أرض فلسطين التاريخية، وأن الحلّ الإسرائيلي هو التطهير العرقي إما خطوة بخطوة أو دفعة واحدة وعلى مرأى الجميع.
ثالثاً: بغض النظر عن مدى اختلاف حكومات إسرائيل وتنوّع وجهاتها فيما سبق، نواجه هذه المرّة حكومة فاشية متطرفة. كما أن المجتمع الصهيوني بات يتجه نحو الفاشية بأبشع أشكالها. وهنا يمكننا القول أن ما نشهده الآن في المجتمع الإسرائيلي غدا مشابهاً جدا لما حدث في ألمانيا في الثلاثينات.
لقد توصل جميع سكان إسرائيل الذين تعرضوا لهجوم فی 7 تشرين الأول (أكتوبر) فجأة إلى الحلّ الأكثر تطرفا الذي قد نشهده في عصرنا الراهن، حيث اتّخذوا نهجا فاشيا تجاه الفلسطينيين.
ولا يخفى على أحد أن الإسرائيليين لا يعترفون أصلا بالفلسطينين كبشر، أنا لا أتحدث عن القادة فحسب بل أتحدّث عن المواطنين العاديين في “إسرائيل”.
كما أن واقع هذه الحرب يُظهر لنا رسالتين من المجتمع الدولي مفادهما الآتي: اولاً الحكومات الغربية متحيّزة تماماً لصالح “اسرائيل” وثانياً، لا يوجد شيء اسمه قانون دولي وأما عن القانون الماثل فهو غير قابل للتنفيذ.
ما ترونه هو ازدواجية معايير كاملة وكأن السياسة الدولية قد عادت إلى القرن التاسع عشر ولقد انتهت المناقشات حول القانون الدولي وحقوق الإنسان.
كما أن رد فعل البعض في العالم العربي وموقف العديد من المسلمين مُخيّب للآمال بكلّ ما تحمله كلمة “مُخيّب” من معنى. وعن سبب الموقف المُجحف هذا والماثل ليس بسبب حماس. بل لأنهم لا يحبّون المقاومة الفلسطينية وحق الفلسطينيين في النضال من أجل حريّتهم.
في ختام الكلام، كلنا مسؤولون وإذا لم نتذكر ما حدث في الوطن العربي بعد عام 1948 م. سنكون مخطئين للغاية وغارقين في حالة من الموت السريري.
تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News