
الملتقى الأول لذاكرة المقاومة بالأطلس الصغير الغربي: الرمزية والدلالات
- بقلم امحمد القاضي*//
إنعقد الأسبوع الماضي على مدى يومين (الجمعة والسبت 21و22 فبراير 2025) فعاليات الملتقى الأول لذاكرة المقاومة بالأطلس الصغير الغربي بكل من أيت عبد الله، إداوكنضيف، تفراوت وأملن، بشراكة وتعاون مع المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، تحت شعار: “من أجل تخليد ذكرى رموز المقاومة”.
التظاهرة التي عرفت نجاحات باهرا من تنظيم مجموعة من الفاعلين المدنيين بدعم من فعاليات إقتصادية محلية، جمعت كل من جمعية تيويزي للتنمية الإجتماعية لأيت عبد الله، مركز إداوكنضيف للأبحاث والتنمية، مركز تيملت للبحث والتوثيق، العالم الأمازيغي وإتحاد الجمعيات التنموية لأملن. التظاهرة لا تخلو من عدة دلالات رمزية.
أبرز هذه الدلالات تتجلى في تلاحم غير مسبوق للجمعيات المدنية بالمنطقة حول الموروث التاريخي المشترك لإخراج مبادرة جمعوية بإمتياز. حيث أن ما جمع هذه الفعاليات في عز فصل الشتاء، حيث تهجر قرى تمازيرت، لم يكن حضور فرجة أحواش، أو مهرجان فني، أو موسم ديني، بل شد الجمع الرحال لتمازيرت لإحياء ذكرى رموز المقاومة. إذ يغمر الجميع الحنين لماض وأمجاد خلدها وطنيا الأجداد. وهذا في حد ذاته إنجاز يستحق التشجيع.
الدلالة الأخرى، هي وحدة الصف والكلمة لمنظمي التظاهرة أعادت للأدهان قوة شئيمة المقاومين وبسالتهم الميدانية في عشرينيات القرن الماضي التي كان سرها وحدة الهدف للدفاع عن الأرض والعرض والشعور بالوطنية الصادقة.
هذه القيم هي التي أبان عنها المنظمين من المناطق المجاورة الأربع بعد قرن من الزمن من بداية معارك أيت عبد الله. وبذلك يكون الخلف قد حافظ على قيم السوسيين الأمازيغ المتوارثة والتي تعتبر كنز جبال الاطلس الذي لا يفنى.
شكل الإعتراف وتخليذ روح المقاومة بسوس حلم يراود السوسيين منذ زمان. والجميل في التظاهرة هو التجاوب والتواصل والعمل التشاركي بين الفاعل المدني، الممثل في الجهات المنظمة، والجانب الرسمي الوصي على القطاع، الممثل في المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، بحضور مميز لوفد رسمي رفيع المستوى يترأسه المندوب السامي شخصيا. والفعل في حد ذاته يشكل سيمة المغرب الجديد، مغرب الممكن، ومغرب التواصل والحق في الحلم.
للسوسيين بطل المقاومة، الحاج عبد الله زاكور، كاد أن يناله النسيان لأنه لم ينل حقه وطنيا، مثل عبد الكريم الخطابي بالريف، وموحا حمو الزياني بالأطلس المتوسط وغيرهم من أبطال المعارك الوطنية الشعبية ضد الإحتلال الأجنبي. كانت التظاهرة مناسبة لإعادة الإعتبار لبطل المقاومة بالأطلس الصغير الغربي، ومعارك أيت عبد الله، كإحدى آخر المعارك والمقاومة الشعبية بالجبال ضد المستعمر، إذ لم يدخل الإستعمار الفرنسي المنطقة إلا بعد لجوء المستعمر لاستخدام الطائرات الحربية لقطع شوكة المقاومة، حيث قصف القرى والمخازن الجماعية والأسواق الأسبوعية في جريمة ضد الإنسانية شهدتها في صمت جبال الأطلس الصغير سنة 1934.
المحطة الأولى في اليوم الأول كانت الوجهة أيت عبد الله، وجلسة بالمدرسة العتيقة تحمل شذرات من الذاكرة وشهادات لمعاشري البطل عبد الله زاكور وأساتذة كتبوا في الموضوع. تلتها زيارة تاريخية وقف الوفد برآسة المندوب السامي ترحما على قبر المجاهد المرحوم الحاج عبد الله زاكور، بعد ترميمه من طرف أحد أعيان دوار زغنغين مسقط رأس بطل المقاومة.
الوجهة الثانية كانت إداوكنضيف والوقوف على المقبرة الجماعية “الجامع أقديم” التي تأوي شهداء القصف بالطائرات، ومن بينهم عدة نساء، تلتها زيارة قصبة تيزركان المطلة على مناظر شموخ جبال الأطلس، رمز العيش المشترك والمورث الثقافي المحلي بسوس. بعدها توجه الوفد لزيارة وتدشين النصب التذكاري للمقاومين الذين أعلنوا العصيان المدني ضد السلطات الإستعمارية بدوار تيزيرت.
اليوم الثاني تم إفتتاح الندوة الفكرية الرسمية بتفراوت بكلمة تاريخية معبرة للسيد المندوبة السامي عن إستعداد مصالح المندوبية تخليد الذكرى كتقليد سنوي على غرار باقي معارك المقاومة المماثلة بربوع الوطن. وبذلك سيصبح لسوس تاريخ رسمي يحتفي بأمجاد وبسالة السوسيين في الدفاع عن الوطن ضد الإحتلال، ليشهد المغاربة قاطبة وتتوارث الناشئة بفخر وإعتزاز الموروث التاريخي المجيد لجبال الأطلس الصغير الغربي.
في نفس الصبيحة أكد الأساتذة والباحثون المتدخلون بالندوة الوقائع التاريخية لمحطات المقاومة المحلية بالحجة والبرهان الأكاديمي.
المحطة الأخيرة الزوالية بأملن شهدت تتمة مدخلات الأساتذة ومناقشات قيمة أغنت الندوة. تلتها بدوار أنامر الجلسة الختامية في ضيافة أحد الفاعلين الإقتصاديين المحليين، حيث تم تكريم 15 رموز المقاومة كبداية بالمنطقة على أساس أن يتم تكريم باقي المقاومين في النسخ الموالية. ولا تخلو أي جلسة سوسية من فن أحواش بنات المنطقة اللواتي أطربن الحضور بنظم أشعار حول المقاومة في تناغم مع رقصات أحواش.
أملنا أن يصبح لمقاومة سوس موقع في التاريخ الوطني، ولبطل المعارك الحاج عبد زاكور وكل المقاومين مكانة تضاهي مكانة عسو بسلام، وعبد الكريم الخطابي وغيرهم، وأن تدخل قولة زاكور الشجاعة المأثورة عند إستسلامه حقنا للدماء امام القائد العسكري الفرنسي: “إتما القرطاس، إتما ووال” بمعنى: “نفذت الذخيرة وإنتهى الكلام”، المقررات المدرسية على غرار قولة طارق بن زياد: “البحر من ورائكم، والعدو أمامكم… “. ألا تضاهيها شجاعة ووعيا بالمصير؟
الجميل في المبادرة الجمعوية تجاوب كل الفاعلين المحلين والقوى الحية مع التظاهرة، سواء المنتخبين بكل أطيافهم، وعدد من الإقتصاديين من الحواضر، والحضور من كل حدب وصوب، في تلاحم وتضامن من أجل قضية بحجم وطن.
نحيي الفاعلين الإقتصاديين الذين لم كعادتهم لم يبخلوا بوفائهم للعهد بمساهماتهم المادية والمعنوية والعينية وغيرتهم حين تكون الجدية عنوان المشاريع.
ولكل مهتم بالموروث التاريخي المحلي، ولكل الغيورين على أمجاد المنطقة لكم منا مودتنا وتقديرنا.
*رئيس جمعية تيويزي للتنمية الإجتماعية لأيت عبد الله

تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News