المقاومة بالأطلس الصغير الغربي، إرث سوسي على وشك السقوط كأوراق الخريف من الذاكرة المشتركة وشجرة التاريخ الوطني
- بقلم امحمد القاضي *//
ترحل الأجيال وتترك وراءها آثار وأمجاد تعتبر ثمرة جهودها من أجل البقاء والإستمرار، ونموذج للتضحية من أجل الوحدة والوطن، بل نتيجة إسهاماتها في القيم المشتركة الإنسانية، وإرث عالمي يرقى للكونية.
لكن للأسف حين يقابل المجهود بإهمال من طرف الجهات الوصية والمؤرخين والباحثين والمهتمين، ويتجاهله الغافلون، ولا يعيره متليقها ووارثه من الجيل الجديد أي إعتبار، سيسقط الإرث اللامادي لا محالة في غياهيب النسيان ويغيب ببطئ من تاريخ البلد ويندثر كليا من الذاكرة الجماعية مع تعاقب الأجيال.
على سبيل المثال، كم من “أكدير” أو مخزن جماعي كإرث مادي تتساقط أسواره أمام أعيننا اليوم ولا من يحرك ساكن؟ كم من محكيات وأساطير أمازيغية غابت عن المتخيل المحلي لأنها لم يتم توثيقها وتدوينها رغم توفر الإمكانيات؟ وفي المقابل صمدت الأساطير الإغريقية الضاربة في القدم وأصبحت مرجع أكاديمي وإرث إنساني تتداوله الأجيال. لذا فالقدم ليس مبرر للنسيان، لكن الغفلة والتناسي والتجاهل والجحود هم من يغيب الحلقات المهمة من الذاكرة الجماعية وتدخلها عالم المجهول.
وفي هذا الصدد تعتبر المقاومة بالأطلس الصغير الغربي عموما، ومعركة أيت عبد الله على الخصوص، نمودجا للموروث اللامادي المحلي والوطني المنسي والمتناسي، وصرخ ومجد تاريخي آيل للسقوط وجب علينا نفض غباره، ترميمه وإنقاده من الهلاك كجزء لا يتجزء من الموروث التاريخي الوطني.
عقود من الزمن ونحن نحتفل جميعا كأمة موحدة عبر التراب المغربي إفتخارا بعيد الإستقلال، سنوات ونحن نمجد بكل إعتزاز ووطنية عبر ربوع الوطن في المناسبات وكتب التاريخ ودروس المادة بالمدارس، وعبر أفلام وثائقية أمجاد معارك وطنية من أجل الإستقلال والحرية والإنعتاق من دهاليز الإستعمار.
من منا لا يعرف مقاومين أمثال عبد الكريم الخطابي بالريف ومعركة أنوال، وعسو أوبسلام من أيت عطا ومعركة بوكافر، والهيبة من أيت بعمران ومعاركه التي وصلت سيدي بوعثمان نواحي مراكش. لكن لا أحد يتذكر مقاومة الأطلس الصغير الغربي ضد الإحتلال الفرنسي ومعركة أيت عبد الله المجيدة التي تعتبر آخر المعارك بقيادة المقاوم البطل الحاج عبد الله زاكور، وبتعاون مجاهدي القبائل المجاورة من أملن، تفراوت، إداوكنضيف، وإسافن وغيرها. لماذا أسقطت هذه المحطة من التاريخ المحلي والوطني، ولا وجود لها بكتب التاريخ المدرسي؟
النضال ضد المستعمر لم يشكل أبدا وسمة عار على جبين أهل سوس، بل هو صفحة مشرقة من التاريخ المحلي والمغربي ومفخرة بحجم وطن. من العار أن نساهم بصمتنا في إقبار المعركة من الذاكرة الجماعية وتقزيم مساهمة السوسيين في بناء إستقلال الوطن، ومشاركة مقاومي جبال الأطلس الصغير ببسالة في الملاحم الوطنية ضد المستعمر ومن أجل الوحدة.
السؤال الذي يطرح نفسه بالمنطقة، هل كتب الزمان على أهل سوس الغيورين على مداشرهم، وخاصة رجال الأعمال والفاعلين المدنيين منهم، أن يضحوا بأموالهم وجهودهم من أجل تنمية قراهم المهمشة من طرف القائمين الشأن العام، ويناضل المجتمع المدني السوسي لإثبات الهوية ضد الحكرة والإقصاء والتهميش؟ عوض أن يوجه هؤلاء جهوده نحو النماء ومآرب أخرى أكثر آنية وأهمية. وهل قدرنا كذلك أن نكافح ونقنع من أجل التذكير بنضال وتضحيات وإسهامات المقاومين السوسيين من أجل إستقلال الوطن، وبالأرواح التي سقطت في أرض المعارك فداءا لوحدة الوطن، لكي يسجل التاريخ ملاحمنا الوطنية؟ أي قدر بمقدار أسطورة سيزيف هذا !!
هل معركة أيت عبد الله، كآخر معقل لم يدخله المستعمر الفرنسي إلا بعد إستعمال الطائرات الحربية ضد العزل، بعد أن أستعصي عليه إقتحام المنطقة الجبلية وهزم شجاعة المقاومين الوطنيين المرابطين بالأعالي في ظروف معيشية صعبة وبوسائل بسيطة، لا تستحق الذكرى والتوثيق، ولا ترقى لمستوى الإحتفاء بها للذاكرة، وأن تدرج في مادة التاريخ المدرسي؟ أسئلة بريئة لمن يحمل هم إنقاد الإرث المحلي وصون الذاكرة الوطنية ولحماة التاريخ المحلي.
مسؤولية الدفاع عن المشترك الوطني، وإحياء ذكرى المقاومة بالأطلس الصغير الغربي لحمايتها من الضياع مسؤولية مشتركة بيننا كمغاربة كمجتمع مدني وكقوى حية تنذر المنذرين وتدق ناقوس الخطر حين تستشعر هفوات ستنال من مجدنا وتاريخنا. وما أنسانا في النوم واليقظة.
معركة أيت عبد الله محطة صمود تاريخية ملهمة تبحث عن حقها في الضوء العمومي، لما لها من رمزية تاريخية ووضع إعتباري في نفوس أهل المنطقة، الذين هم في أمس الحاجة لما يلهم ذواتهم ويزيدهم ثقة في مؤسساتهم ومصالحة مع تاريخهم وهويتهم من جهة؛ ويذهب عنهم أحزان الجفاف، وإعتداءات الرعي الجائر وغيرها من المآسي التي تعرفها أعالي جبال سوس اليوم بإجحاف وبشكل متوالي، ويعطيهم أمل في المستقبل، من جهة أخرى.
كما هو معلوم وللتذكير، نضال المغرب من أجل تحقيق الإستقلال مر بمرحلتين، مرحلة المقاومة المسلحة خاصة في البوادي المغربية ما بين 1912 ـ 1934، تاريخ آخر معركة، معركة أيت عبد الله المنسية، التابعة ترابيا لإقليم تارودانت، كآخر حلقة في الكفاح المسلح ضد المستعمر الفرنسي بالمغرب. ومرحلة الحركة الوطنية التي نشأت بعد إصدار الظهير المسمى كذبا “بالظهير البربري” في 16 مايو 1930.
ولنا عودة لموضوع المقاومة بالأطلس الصغير الغربي في حينها…إلى ذلك الحين تصبحون على ذاكرة متيقظة.
*رئيس جمعية تيويزي للتنمية الإجتماعية لأيت عبد الله
تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News