الرأيالعالم اليوم

المغرب و الهجرة غير النظامية والاتجار بالبشر ، موازنة بين الحنكة الأمنية و إحترام حقوق الإنسان

  • *ذ/ الحسين بكار السباعي//

في خضم التحديات الإقليمية والدولية المضطربة ، واصل المغرب خلال سنة 2024 ،جهوده في مواجهة ضغوط الهجرة غير النظامية المتزايدة ، جهود جبارة عكستها الأرقام المهمة لأعداد المهاجرين غير الشرعيين و شبكات الاتجار بالبشر التي تم تفكيكها . أرقام وواقع جديد يضع المملكة المغربية، أمام معادلة معقدة ، وهي كيفية تحقيق توازن بين ضبط الحدود ومراقبتها وحماية السيادة الوطنية، وبين الالتزام بالمبادئ الإنسانية واحترام الحقوق الأساسية للمهاجرين .

المغرب ، الذي يعد نقطة عبور رئيسية بين إفريقيا وأوروبا ، أصبح في مواجهة تصاعد غير مسبوق في تدفقات الهجرة غير الشرعية. فالمهاجرون القادمون من إفريقيا جنوب الصحراء، مدفوعون بأوضاع اقتصادية متردية وصراعات مسلحة لا تنتهي، وجدوا في المملكة بوابة للأمل نحو أوروبا .

هذا الوضع خلق بيئة خصبة لنشاط شبكات تهريب البشر، التي استغلت أحلام المهاجرين في العبور نحو الضفة الأخرى من المتوسط ، وحتى الأطلسي الذي أضحى مسلكا من المسالك الجديدة والخطرة ، التي تستغلها عصابات الهجرة غير النظامية والاتحار بالبشر ، للوصول إلى جزر الخالدات عبر نقط متفرقة على طول الشريط الداحلي من آكادير إلى مدينة الداخلة .

لقد تمكن المغرب تفكيك 332 شبكة للاتجار بالبشر ، وإحبط أزيد من 78 ألف و600 محاولة للهجرة غير النظامية خلال سنة 2024 ، أمر يعكس مدى تعقيد الظاهرة وتجذرها في محيط إقليمي مضطرب .
هذه الأرقام لا تعكس فقط حجم التحديات الأمنية ، بل أيضا التطور الذي طرأ على شبكات التهريب ، التي باتت تعتمد على تقنيات حديثة وأساليب أكثر تنظيما لإستغلال المهاجرين.

يتعرض المغرب عزيزي المتلقي ، لضغوط دولية متزايدة ، خاصة من الاتحاد الأوروبي، للعب دور “حارس الحدود” أودركي لأوروبا ، وهو الدور الذي رفض ويرفض المغرب القيام به ،فالتصدي للهجرة عليها أن تعالج بمقاربات تنموية واحتماعية ودقراطية وحقوقية الى جانب المقاربة الأمنية .

وحتى المساعدات المالية المشروطة التي تقدمها الدول الأوروبية للمملكة وإن كانت تهدف إلى ضمان الحد من تدفق المهاجرين نحو أوروبا خاصة أن المغرب قاد عملياين لتسوية وضعية العديد من المهاجرين خلال سنة 2014 ,و2017 ، فضلا على الدفع بعملية الادماج للعديد ممن اختاروا الاستقرار بالبلاد ،وضع جعل المغرب أمام تحديات سياسية واقتصادية واجتماعية مركبة. فاستقبال أعداد كبيرة من المهاجرين يضع عبئا هائلا على البنية التحتية الوطنية ، سواء في مجال الصحة أو التعليم أو السكن ، كما يعقد جهود إدماج هؤلاء المهاجرين في النسيج المجتمعي المغربي .

اضافة الى ضرورة التنبيه إلى التهديدات الأمنية المصاحبة لهذا الوضع و التي تزيد المشهد تعقيدا. فالخطر لا يقتصر على تهريب البشر فقط، بل يمتد إلى احتمالية تسلل عناصر متطرفة بين صفوف المهاجرين، مما يشكل كذلك تهديدا إرهابية للمغرب، الذي يشكل حاجزا أمنيا أمام تدفق الهجرة نحو أوروبا، و يجد نفسه في مواجهة متطلبات أمنية ضخمة لا تنفصل عن مسؤولياته الإنسانية والحقوقية ، كما هو متعارف عليها دوليا .

كما أن الجانب الإنساني لهذه الأزمة لا يمكن تجاهله. فإنقاذ أزيد من 18 ألف مهاجر من الموت في عرض البحر خلال سنة 2024 ، يظهر التزام المغرب بحماية الأرواح كما هو منصوص عليها في القانون الدولي البحري . هذا التدبير الإنساني يعكس وعيا عميقا بأن مواجهة ظاهرة الهجرة لا يمكن أن تقتصر على تعزيز المراقبة الأمنية ومحاربة شبكات التهريب ،بل بإحترام الحقوق الإنسانية للمهاجرين غير النظاميين، بغض النظر عن وضعهم القانوني ، وهو أمر وضع المغرب في موقع ريادي في المنطقة، ومنحه احترام المجتمع الدولي .جهود إنسانية تبدلها المملكة المغربية وتتطلب منها توفير تجهيزات حديثة وقوى بشرية مدربة ، مما يبرز استثمار المغرب في تعزيز قدراته البحرية والبنية التحتية اللازمة لإنقاذ المهاجرين وحمايتهم.

رغم أن هذا التوازن الدقيق بين الأمن والإنسانية ، لا يخلو من صعوبات عدة ،فنشاط شبكات التهريب والتجار بالبشر و الني تتغذى على بؤس المهاجرين ورغبتهم في الهروب من واقعهم المأساوي، يجعل معركة البلاد مع هذه الشبكات الإجرامية ، أشبه بحرب مستمرة لا نهاية لها . فكل شبكة يتم تفكيكها تفسح المجال لظهور أخرى أكثر احترافية ودهاء. في المقابل، يظل المهاجرون غير النظاميين الضحية الأولى ، حيث يستغلون في ظروف عمل قسرية، أو يتم الاتجار بهم في أسوأ أشكال الاستغلال والإستعباد الإنساني .

ختاما يا سادة ، إن التعامل مع أزمة الهجرة غير الشرعية ، يتطلب رؤية شاملة تتجاوز الحلول الأمنية القصيرة المدى ، وهو أمر رافع عنه المغرب مرارا أمام الاتحاد الأوروبي والافريقي معا ، بل خصصت له المملكة المغربية خبراء ومختصون لهذه المعضلة الإنسانية ، وعملت على إخراج المرصد الافريقي للهجرة وهو أحد آليات عمل الاتحاد الافريقي بخصوص الهجرة واللجوء وذلك للدفع بمعالجة الأسباب الجذرية للهجرة غير النظامية، من فقر ونزاعات مسلحة و انعدام الاستقرار في الدول المصدرة ، أنها جزء لا يتجزأ من إستراتيجية دشنها المغرب إستراتيجية طويلة المدى ،وعلى أساس تعاون إقليمي ودولي لتقليل تدفقات الهجرة غير الشرعية وضمان حياة كريمة للمهاجرين في أوطانهم الأصلية .

فالمملكة المغربية اليوم وبمراجعة كل الاحصائيات المذكورة ، تبقى نموذجا يحتذى به، نمودج جمع ما بين الحزم الأمني والتدبير الإنساني، نمودج يذكر العالم ، بأن معالجة الظاهرة يتطلب جهدا جماعيا ، يتجاوز حدود الدول وسياساتها الداخلية .

*ذ/ الحسين بكار السباعي
محام وباحث في الهجرة وحقوق الإنسان.

          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى