
المغرب في مرآة الديموغرافيا: “خصوبة تتراجع وشيخوخة تزحف، هل ندق ناقوس الخطر؟”..
- بقلم: حسن كرياط //
تشهد المملكة المغربية تحولات ديموغرافية عميقة قد تُغيّر ملامح المجتمع خلال العقود المقبلة، وهي تحولات لم تعد مجرد معطيات إحصائية باردة، بل مؤشرات إنذارية تتطلب يقظة استراتيجية وتدخلاً متعدد الأبعاد. تقرير حديث صادر عن المندوبية السامية للتخطيط، بشراكة مع صندوق الأمم المتحدة للسكان بالمغرب، يسلط الضوء على هذه التحولات من خلال قراءة دقيقة لواقع السكان تحت عنوان “حالة سكان العالم لسنة 2025″، ويكشف عن معطيات مقلقة تضع المغرب أمام تحديات غير مسبوقة.
أبرز ما يثير الانتباه في هذا التقرير هو التراجع الحاد في معدل الخصوبة، إذ انخفض من 5.5 أطفال لكل امرأة سنة 1982 إلى 2.2 فقط سنة 2025، بانخفاض يُقوّض التوازن المطلوب لضمان استمرارية الأجيال، خاصة بعدما بلغ معدل تعويض الأجيال 1.9%، وهو أقل من العتبة الآمنة البالغة 2.1%. هذا الانخفاض يشير إلى نهاية زمن “الأسرة الكبيرة”، ويعكس تحوّلاً عميقًا في أنماط العيش والقيم الأسرية والاجتماعية، ما يفرض مراجعة جريئة للسياسات العمومية في مجال الأسرة والطفولة.
ورغم أن الفئة النشيطة من السكان، التي تمتد بين سن 14 و59 سنة، تعرف ارتفاعًا عدديًا، وهو ما يُفترض أن يمثل طاقة دافعة للاقتصاد الوطني، فإن هذا المعطى يصطدم بواقع أكثر تعقيدًا، يتمثل في ارتفاع معدلات البطالة، وضعف نظم التكوين، وتحديات الإدماج المهني. وهو ما يُحوّل هذه الفئة من رافعة محتملة إلى عبء ثقيل على سوق الشغل، خاصة في ظل غياب سياسات تنموية قادرة على الاستفادة من هذا الرأسمال البشري.
من جهة أخرى، يعيش المغرب تحولاً صامتًا في شكل الهرم السكاني، حيث تتقلص قاعدة الأطفال وتتسع قمة المسنين. فعدد الأطفال دون سن 15 سنة يتناقص بشكل متسارع، في حين يُتوقع أن يصل عدد كبار السن إلى 6.1 ملايين نسمة بحلول سنة 2030، مقارنة بـ5.1 ملايين فقط سنة 2024. هذا النمو المطّرد في فئة الشيوخ يضع منظومات التقاعد والتغطية الصحية أمام اختبارات صعبة، ويدفع نحو التفكير في نماذج جديدة للرعاية الاجتماعية تستجيب لهذا الواقع المتغيّر.
وتتفاقم هذه التحديات الديموغرافية مع وتيرة التمدن السريعة، التي تتسبب في تآكل القرى وتهجير سكانها نحو المدن، مما يُحدث اختلالات على مستوى التوازن المجالي، ويُضعف من البنية الاقتصادية للعالم القروي. هذا النزوح المستمر نحو المراكز الحضرية لا يؤدي فقط إلى الضغط على المرافق والخدمات، بل يُهدد بتلاشي الهوية الريفية وانحسار النشاط الفلاحي، في وقت تزداد فيه الحاجة إلى الأمن الغذائي والاستدامة البيئية.
أمام كل هذه المعطيات، يتضح أن المغرب لا يواجه فقط تحولات ديموغرافية، بل يقف عند مفترق طرق حضاري يتطلب مراجعة شاملة وعميقة لسياسات التنمية. فالأمر لم يعد يتعلق بأرقام تتغير في جداول الإحصاء، بل بمصير أجيال وبنية مجتمع برمّته. فهل تتحرك السياسات العمومية بالسرعة الكافية لمواكبة هذه التحديات؟ وهل نحن مستعدون لمغرب جديد يتقدّم بذكاء ديموغرافي، بدل أن يتراجع تحت وطأة الإهمال والارتجال؟ الجواب ليس بسيطًا، لكنه يفرض نفسه بإلحاح، لأن الانتظار لم يعد خيارًا.

تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News