
المغرب بين سرعتين: قراءة تحليلية في خطاب العرش لسنة 2025
في خطاب العرش ليوم 29 يوليوز 2025، أطلق جلالة الملك محمد السادس تعبيرًا لافتًا حين قال:
“فلا مكان اليوم ولا غدا، لمغرب يسير بسرعتين”.
عبارة تختزل واقعًا مغربيًا مركبًا، حيث تتجاور ديناميات التقدم السريع في بعض القطاعات مع مظاهر التباطؤ والتفاوت في مجالات أخرى، ما يفرض مراجعة جماعية وشاملة لنموذج التنمية والعدالة المجالية والاجتماعية.
أولًا: سرعة عالية في قطاعات البنية والتنمية الاقتصادية
لا يمكن إنكار التقدم المحرز في بعض المجالات، خصوصًا تلك ذات الطابع الاقتصادي والاستراتيجي، ومن أبرزها:
البنية التحتية: شق الطرق السيارة، توسعة الموانئ (ميناء طنجة المتوسط كنموذج)، وربط المدن بشبكات حديثة للنقل.
التحول الرقمي: تعزيز الخدمات الرقمية والإدارة الإلكترونية، مما ساهم في تحسين مناخ الاستثمار وتسهيل الولوج إلى بعض الخدمات الإدارية.
الاستثمارات الكبرى: المشاريع الصناعية (كالمناطق الصناعية في طنجة، القنيطرة، وسوس-ماسة)، ومخططات استقطاب الاستثمارات الأجنبية، خصوصًا في قطاعات السيارات، الطاقات المتجددة، والفوسفاط.
الدبلوماسية الاقتصادية: تعزيز الحضور المغربي في إفريقيا، وجذب شراكات دولية كبرى، وهو ما ساهم في تحسين تموقع المملكة على الصعيد الدولي.
ثانيًا: سرعة بطيئة في العدالة الاجتماعية والتنمية البشرية
في مقابل هذا التقدم، تعاني مجالات أخرى من بطء في وتيرة الإصلاح أو تعثر في التفعيل:
الفقر والهشاشة: رغم البرامج الاجتماعية، لا تزال مناطق عديدة، خاصة في الأطلس والجنوب الشرقي، تعاني من الفقر المدقع وضعف الولوج إلى الخدمات الأساسية.
البطالة: لا سيما في صفوف الشباب وحاملي الشهادات العليا، رغم بعض المبادرات مثل “أوراش” و”فرصة”، فإن الأثر لم يرق إلى مستوى الانتظارات.
التعليم والصحة: لازالت هذه القطاعات تعرف اختلالات كبيرة من حيث الجودة، وتفاوت الولوج بين المدن والقرى، واستمرار الهدر المدرسي والخصاص في الأطر.
اللغة والثقافة الأمازيغية: رغم الترسيم الدستوري والدعوات الملكية المتكررة لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، لا تزال وتيرة التفعيل بطيئة، سواء في التعليم أو الإدارة أو الإعلام العمومي. وهو ما يشير إلى وجود فجوة بين الإرادة الملكية وبين مستويات التنزيل المؤسساتي والتقني.
ثالثًا: خطاب للمصالحة التنموية
الرسالة التي بعث بها الخطاب واضحة: لا يمكن للمغرب أن يتقدم بتفاوت داخلي في السرعات، فالتنمية لا تكون ناجحة إلا إذا كانت شاملة وعادلة. كما أن المغرب القوي في البنية الاقتصادية والدبلوماسية، يجب أن يكون قويًا كذلك في العدالة الاجتماعية، والتعليم، والثقافة، والهوية.
وفي هذا السياق، فإن التنبيه الملكي إلى “مغرب بسرعتين” ليس مجرد توصيف، بل هو دعوة ملحة لإعادة ترتيب الأولويات، وتسريع الإصلاحات التي تمس الحياة اليومية للمواطن، وخاصة في المجالات الأكثر بطئًا وتأخرًا.
نحو مغرب متوازن وسريع للجميع
يمثل خطاب العرش 2025 لحظة للتأمل والمساءلة، ويشكل في الآن ذاته دعوة إلى الفاعلين السياسيين والمؤسساتيين والاجتماعيين للانخراط في مرحلة جديدة من “التسريع المندمج” للتنمية، تضمن عدم ترك أي فئة أو منطقة خلف الركب. فالمغرب القوي ليس فقط هو المغرب السريع، بل هو المغرب الذي يسير بسرعة واحدة موحدة نحو التقدم والكرامة للجميع.

تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News