الثقافةالرأي

اللغة الأمازيغية معجزة ربانية ..

جاء في دراسة تهتم بقضايا الكتاب والنشر في المغرب، أن ما نتج ونشر باللغة الأمازيغية لا يتعدى 0,9 من مجموع ما تم إصداره وطبعه في المغرب، وأن داخل هذا النزر القليل من الإنتاج الأمازيغي المكتوب يغطي الإنتاج الأدبي ما يناهز نسبة 81% تتوزع بين الشعر والسرد.

قد يرى البعض أن هذه الأرقام ضعيفة جدا ومخيفة …(وفعلا هي مخيفة) لكن في المقابل نحن الذين نعرف بخبايا الأمور وحقيقة الوضع الذي عاشته الأمازيغية لقرون وعقود وما تعيشه اليوم من انكار مزدوج …فإننا نعتبر ما هو موجود حاليا من تراكم ادبي ولغوي ومعجمي مكتوب باللغة الأمازيغية هو إنجاز عظيم وتاريخي بالنظر للصعوبات والإكراهات البنيوية الكثيرة التي تواجهها اللغة الأمازيغية…وهذا الإنجاز والتراكم هو في الحقيقة نتيجة لعمل نضالي كبير وعمل خرافي ممزوج بالمقاومة كما قال محمد شفيق بأن الأمازيغ عليهم أن ينتقلوا من المقاومة بالسلاح إلى المقاومة بالقلم، ومن بين أصعب أنواع المقاومات هي المقاومة الفكرية واللغوية…هذا العمل الخرافي العظيم ساهم ويساهم فيه كل الشعراء والأدباء والكتاب الأمازيغ المعاصرين والشباب، رجالا ونساءً، الذين يبدعون باللغة الأمازيغية وهم كثر في الريف والأطلس والجنوب الشرقي وسوس والصحراء ،،،وهم بالمناسبة يستحقون منا كل التقدير والاحترام ، فكل من دون ونشر كتابا باللغة الأمازيغية في مغرب اليوم فهو يدخل ضمن سلسلة العظماء الخالدون في تاريخ الأمازيغ …
فلا يمكن أن نذكر كل أسماء الكتاب / ت الأمازيغ/ ت وإنما أريد أن أشير إلى كل من الكاتب والروائي المرموق محمد أكوناض والكاتب المبدع محمد أوسوس… لاقول أن فعلا اللغة الأمازيغية معجزة ، لماذا ؟

لأن اكوناض واوسوس وهما يقودان ثورة ثقافية هادئة في الأدب الامازيغي المكتوب باللغة الأمازيغية، ليس فقط في تأليفهم لعشرات الكتب في السرد والشعر والترجمة لما يزيد عن. 30 سنة وإنما أيضا في تأسيس رابطة تيرا لتشجيع الشباب وعموم الأمازيغ لتأليف ونشر إبداعاتهم بالأمازيغية ، وهو الإطار الذي ساهم خلال مدة قصيرة في نشر مئات الإبداعات في السرد والشعر والترجمة وهذا مهم جدا من أجل بناء تراكم ادبي أمازيغي يواكب ما يعتمل من تحولات تعيشها الأمازيغية داخل المجتمع وداخل المؤسسات لاسيما بعد الدسترة…فالدولة والإدارة لا يمكن لها أن تنتج الإبداع والسرد والشعر وبالتالي فكان لابد من الازدواجية في النضال بين الفعل الميداني والترافعي وبين الكتابة والإنتاج الأدبي وهذا ما فهمه جيدا كل من سي محمد اكوناض وسي أوسوس اللذان انخرطا مبكرا في الجامعة الصيفية وفي جمعية تامينوت…فالنضال الترافعي والجمعوي لا يكفي خاصة وأن الظرفية التي تعيشها الأمازيغية حاليا حساسة جدا هي مرحلة الانتقال من المنظومة الشفهية إلى منظومة التدوين والتقعيد والتأليف وايضاً من موقع الهامشية إلى وضع جديد داخل المؤسسات والإدارة …
لكن المدهش في كل هذا، هو أن سي أكوناض وسي أوسوس ، وهما حاليا من أفضل الأدباء الأمازيغ لا سيما في الرواية، ويضبطان البنية المعجمية واللسانية بشكل دقيق، فهما لم يدرسا اللغة الأمازيغية في المدرسة ، بل هما معا أساتذة اللغة العربية في الإعدادي والثانوي سابقا، وإنما تعلما الأمازيغية بمجهود ذاتي وبقناعة ذاتية قوية، فراكما سنوات طويلة من البحث والمعرفة خارج المدرسة العمومية، فرغم كونهما متخصصان في اللغة العربية ويدرسونها في الثانوي إلا أنهما كرسا كل الجهود والتضحيات من أجل تعلم الأمازيغية والكتابة بها والإنتاج بها بل فكر اكوناض في ترجمة الاداب الروسي إلى الأمازيغية منذ التسعينيات…

أنا لا اعرف أديبا أو كاتبا في العالم يكتب ويؤلف بلغة لم يتعلمها في المدرسة بل ان هذه اللغة أي الأمازيغية لا توجد في المدرسة نهائياً قبل سنة 2003 اي في الوقت الذي بدأ فيه كل من اكوناض واوسوس الكتابة بالأمازيغية…
أليست هذه معجزة… فالدولة درست لهما العربية والفرنسية واصبحوا أساتذة يدرسون اللغة العربية لكنهما تحولا إلى أدباء ومبدعين بلغتهم الأم التي تم تهميشها وإقصائها في المدرسة العمومية التي تتحكم فيها الدولة، فهما بهذا الإنجاز يرتقيان إلى مرتبة الأولياء والصلحاء، فهؤلاء هم إگرامن الحقيقيون للأمازيغ في هذا العصر، فبركتهم يجب أن تعم كل الأرجاء في بلدان المغرب وتامازغا…
حتى وإنهما تعلما الأمازيغية بمجهود فردي وذاتي فلمن سيكتبون ؟ من هم هؤلاء القراء الذين سيقتنون كتابا مكتوبا باللغة الأمازيغية لكي يقرأوه وهم يتعلمون في المدرسة العربية والفرنسية فقط…إذن ما يقوم به الأدباء الأمازيغ هو نضال بل هو من صميم النضال…
أما وجود رواق تيرا في المعرض الدولي للكتاب بالرباط فهو مقاومة …فشكرا لكل من اكوناض واوسوس والشكر موصول ايضاً إلى جميع المبدعين والمبدعات باللغة الأمازيغية في المغرب وخارجه…دون أن ننسى ايضاً المجهودات التي يقوم بها شباب جمعية أد نارو ستمازيغت بالجنوب الشرقي التي تخطو خطوات جليلة في سبيل تراكم معرفي وأدبيّ أمازيغي.

بقلم: عبدالله بوالشطارت

          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى