
العين الأخرى: نولييوود..نموذج سينمائي بديل؟
- محمد بكريم //
بمناسبة تنصيب التركيبة الجديدة للجنة دعم الإنتاج السينمائي طغى على الخطاب المرافق الحديث عن الأسماء (على شاكلة التعاليق المرافقة للوائح وليد الركراكي…) والحاصل أنه كان يمكن أن تكون لحظة للتفكير في آليات اشتغال هذه الهيئة بارتباط مع التفكير في الواقع الحقيقي للمشهد السينمائي.
ونحن بصدد الحديث عن السينما يبدو لي من الطبيعي ومن المشروع أن تكون المشاركة في النقاش والمساهمة بالاقتراحات التعديلية حصرا على المعنيين بالأمر، ولا أقصد المفهوم الفضفاض “المهنيين”.
بل أولا أولئك الذين يعيشون أساسا من السينما وبفضل السينما. لأننا نجد كثير ممن يحمل بطاقة مهنية تفتح له مجال الاستفادة من السينما (صندوق الدعم مثلا…) وهو أصلا ينتمي “معيشيا” لقطاع أخر (التعليم، الصيدلة…). وطبعا يمكن توسيع دائرة النقاش والانفتاح على فعاليات من خارج الحقل… على سبيل الاستئناس بالرأي العام عملا بمبدأ أن “أهل مكة أدرى بشعابها”. ومن المفارقات المغربية أن تجد فاعلا “سينمائيا” ينتمي مهنيا للوظيفة العمومية، ينعم بدخل قار وتقاعد مضمون، يفتي حول مسائل تفصيلية تتعلق بتنظيم مهنة أخرى.
وبصدد الدعم العمومي للسينما- الذي يبدو أنه يراوح مكانه – (ألخص رأيي بالقول: نجح فنيا وفشل صناعيا ) أود أن أعود لتجربة مميزة في افريقيا وحققت نتائج مهمة: نولييوود.
نولييوود مصطلح حديث. فرض نفسه بسرعة في الساحة السينمائية الإفريقية والعالمية خلال العقود الثلاث الأخيرة، وهو تركيب مختصر لكلمتين: نيجيريا + هوليود. و هو إحالة للطفرة الإنتاجية التي عرفتها نيجيريا في المجال السينمائي مما جعل منها قوة صاعدة تنافس المنتجين الكبيرين “بوليود” نسبة إلى الهند و هوليود العلامة التي اشتهرت بها السينما الأمريكية السائدة.
بل يمكن القول أن نيجيريا تحتل المرتبة الأولى بمعدل 2000 فلم في السنة تتلوها الهند بمعدل يتراوح 900 و 1000 فلم (تم تسجيل رقم قياسي في 2018 اذ أنتجت الهند حوالي 1600 فلم) متبوعين بالولايات المتحدة حيت يتراوح معدل إنتاجها ما بين 800 و 1000 فلم.
طبعا أول ملاحظة تتبادر الى الدهن تتعلق بخصوصية الانتاج السينمائي النيجيري اذ تنتمي هذه الافلام برمتها الى صنف الفيديو وهي تعتمد نمط انتاج متكامل يشمل كل مراحل صناعة الفلم من انتاج وتوزيع وتسويق. وتعرض هذه الافلام على وسيط ف س د ويتم ذلك بأماكن شعبية مختلفة (بالكنائس في أغلب الأمر) .
ويعود تاريخ نولييوود الى سنة 1992 مع النجاح الساحق الذي عرفه أول فلم أنتج في هذا السياق وهو فلم “ليفينغ ان بونداج” للمخرج كريس اوبي رابي حيث بيعت منه أكثر من نصف مليون نسخة سنتين فبما بعد تم انتاج 177 فلم حسب نفس النموذج. واستمرت وتيرة الانتاج في الارتفاع وتم تجاوز عتبة الألف فلم سنة 2004, ليتم تحطيم رقم قياسي 1770 فلم سنة 2008 مما جعل نيجيريا تتبوأ المرتبة الأولى عالميا.
وقد أثمر ذلك وضعية اقتصادية فريدة في افريقيا اذ يعتبر هذا الانتاج ثاني مشغل في البلاد بعد القطاع الزراعي ومسجلا رقم معاملات يصل الى 4 ملايير دولار. والاهم من ذلك سمح لنيجيريا ان تحقق اكتفاءا ذاتيا من حيث كون النيجيريين يستهلكون صور منتجة من طرف نيجيريين. وبينما تغلق القاعات السينمائية في الكثير من البلدان الافريقية تعرف نيجيريا عودة قوية للاستثمار في المركبات السينمائية.
وتصل تكلفة إنتاج فلم (كل الأفلام المنتجة تنتمي لصنف الأفلام الروائية الطويلة مابين ساعتين و ثلاث ساعات) حوالي 300000 درهم أي حوالي 35 ألف دولار مقابل معدل 46 مليون دولار لفلم أمريكي. وبشكل اخر تكلفة فلم نولييوود تساوي تكلفة ثلاث دقائق من فلم أمريكي.
لقد قوبل هذا النموذج الإنتاجي بالرفض بل وبغير قليل من السخرية من طرف غالبية المهنيين الأفارقة وتم تجاهله من طرف النقاد المستلبين بالنموذج الغربي والأوروبي أساسا. وكان هذا الرفض يجد نوع من المشروعية في هزالة المستوى الفني و الجمالي لغالبية الأفلام المنتجة في هذا الإطار و أيضا لسطحية المضمون ونمطية الحالات الدرامية و ركاكة الكتابة وبعدها الخرافي الفج…
⁷لكن سرعان ما عرف الانتاج تحسنا في المستوى وأثمر نجوم محليين و مخرجين مهرة و كتاب سيناريو محترفين يعيشون من كتابتهم (الحالة النادرة في إفريقيا). بل أثار هذا النموذج الناجح اهتمام الباحثين و الدارسين وتنظم له مهرجانات خاصة (باريس، نيويورك…). وبدأت أفلام نولييوود تغزو الأسواق المجاورة في دول إفريقيا الغربية…
عندما نتأمل أرقام الحصيلة السينمائية المغربية تتزاحم في دهن الملاحظ أسئلة مقلقة حيث يبقى أمامه استنتاج وحيد يتعلق بالباب المسدود الذي وصل إليه النموذج الإنتاجي المؤسس لوهم كبير اسمه السينما المغربية.

تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News