الثقافة

العقل في مواجهة الجليد: قراءة نقدية لمقال حسن أوريد حول العلاقات المغربية الجزائرية

  • بقلم: حسن كرياط //

في مقاله “هل يمكن تذويب الجليد ما بين الرباط والجزائر؟”، المنشور بأحد المنابر الإعلامية العربية، يسعى المفكر المغربي حسن أوريد إلى بعث خطاب العقل والتعقّل وسط التوتر المتصاعد بين المغرب والجزائر، في ظل سياق إقليمي ودولي حافل بالتحولات الجيوسياسية العميقة، التي تعيد تشكيل موازين القوى وتهدّد ما تبقّى من أفق وحدوي مغاربي. ورغم أن المقال يندرج في إطار دعوة نبيلة لفتح قنوات تواصل خارج الأطر الرسمية، عبر مبادرات ثقافية وشعبية، إلا أن القراءة النقدية تكشف عن مواطن خلل فكرية وتحليلية لا يمكن إغفالها.

يعتمد أوريد أسلوبًا يجمع بين التوثيق التاريخي والتحليل السياسي، لكنه لا يعمّق بما يكفي في تفكيك منطق السلطة في البلدين، حيث تهيمن مقاربة أمنية صارمة وهواجس سيادية متبادلة، تُضعف من فرص بناء الثقة. يبدو اقتراحه بالتعويل على الفاعلين غير الرسميين من مفكرين وأكاديميين ورجال ثقافة محاولة هادئة للالتفاف على جمود المؤسسات، لكنه يصطدم بجدار سياسي لا يزال يُحكم القبضة على الفضاء العمومي، ويضبط كل المبادرات الاجتماعية والثقافية وفق منطق التحكم والارتياب.

ورغم إشارته إلى بعض المظاهر التي تعبّر عن رغبة الشعوب في التقارب، كالتضامن مع قضايا مشتركة مثل فلسطين، أو التلاقي حول الهوية الأمازيغية، فإن أوريد يتجنّب التطرّق للمرتكزات البنيوية الصلبة التي تؤجّج الخلاف، من بينها الطابع العسكري للنظام الجزائري، والتمركز السيادي لملف الصحراء، وتنافس الأدوار الإقليمية، واستغلال الصراع كأداة لتغذية الشرعية الداخلية.

يحضر البُعد الرمزي في المقال من خلال استحضار لقاء تاريخي بين الحسن الثاني والشاذلي بن جديد سنة 1987. ورغم ما يحمله المثال من دلالات على إمكانية الحوار رغم الخلاف، إلا أن المقارنة تغفل التحولات العميقة التي طرأت على طبيعة السلطة، وعلى التوازنات الداخلية التي أصبحت اليوم أكثر هشاشة وارتباطًا بالخارج.

ينتقد أوريد بشدة الخطاب الإعلامي المحرّض على الكراهية، لكنه في الوقت نفسه يعوّل على بعض المنصات الجديدة بوصفها أدوات تقارب. وهنا يبرز التناقض: فطالما أن الإعلام في البلدين يخضع بدرجات متفاوتة لسلطة الدولة، فإن المراهنة عليه كجسر لبناء التفاهم تبدو غير واقعية. كما أن الكاتب لا يمنح حيزًا كافيًا للبُعد الجيلي، إذ إن أجيالًا شابة لم تعش صراعات الماضي لكنها تجد نفسها اليوم أسيرة لقيود التوجّس والمراقبة، ما يجعل فرص التواصل محدودة ومؤطَّرة.

تنتهي مقالة أوريد بدعوة إلى إطلاق حوار غير رسمي يفسح المجال للعقل في وجه منطق التصعيد، وهي دعوة لا تنقصها النية الطيبة، لكنها تفتقر إلى توضيح آليات التنزيل، أو تحديد الفاعلين الممكنين، وضمانات النجاح. من دون معالجة هذه الأسئلة الجوهرية، تبقى الدعوة أقرب إلى بيان تأملي منها إلى خارطة طريق عملية.

في المحصلة، يعكس مقال أوريد إرادة فكرية صادقة لكسر الجمود وبعث الحسّ السياسي المغاربي من سباته، ويتميّز بأسلوب متوازن ومرجعيات تاريخية دقيقة، لكنه يبقى مشوبًا بنزعة مثالية تتجاهل عناد الواقع، وتُعوّل أكثر من اللازم على الفاعلين الثقافيين في مشهد يظل مرهونًا بتوازنات السلطة وبنياتها العميقة.

إن تجاوز القطيعة بين الرباط والجزائر لا يمكن أن يتحقّق بمبادرات رمزية أو حوارات نُخبوية فقط، بل يتطلّب مراجعة شجاعة لبُنى الدولة، وإعادة تعريف السيادة بما يجعل من الجوار عنصر تكامل لا تهديد، ومن التاريخ المشترك أساسًا لتصور جديد لمستقبل مغاربي متحرّر من عقد الماضي.

          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى