السياسة

العفوية السلبية للرئيس عبد الإله بن كيران..

تابعت مداخلة السيد الرئيس عبد الإله بن كيران في المؤتمر الجهوي لحزبه بأكادير، واحتفظ باستعمال صفة السيد الرئيس، لأنها في الأعراف السياسية صفة لا تسقط، مادام الرجل كان في فترة ما رئيسا للحكومة المغربية. وبصفته هذه، ذات المكانة الرمزية في كل البلدان، ولثقلها السياسي أيضا، كان على السيد عبد الإله بن كيران أن يختار بعناية كلمات خطاباته، وأن يميز بين المقامات، فلكل مقام مقال.

يبدو، حسب ما يقوله المقربون من السيد الرئيس، أنه إنسان عفوي في كلامه، وأحيانا، خاصة في الجلسات الخاصة، قد لا يضع حدودا لما يقول، فيختار من المعجم ما هو “سوقي” بالتعبير الدارج، بل قد يصدر عنه ما هو خارج عن “المحترم” (بنصب الراء)، وما قد يدخل حسب الثقافة المغربية إن صراحة أو تلميحا، في “قلة الحيا”. وهو ما يظهر جليا لكل من يتأمل المعجم المستعمل في العديد من خطابات السيد الرئيس، ومن ذلك كلمة “القوالب”، التي مهما حاول عدم النطق بها في أكادير، لكن نطقها، لأن الطبع يغلب التطبع.

لكن ما أثارني في كلمته المطولة بأكادير، موقفه من تمدرس الفتاة ووصفه الكاريكاتوري للحالة التي يعيشها بعض ساكنة سوس. فكيف يعقل لرئيس حكومة سابق، وأمين عام حزب يسعى للعودة من جديد لتزعم الحكومة المقبلة، أن يدعو فتيات المغرب لعدم الاهتمام بالدراسة أمام أولوية الزواج؟

يحدث هذا في بداية القرن الواحد والعشرين (2025)، وبعد أن حققت المرأة المغربية قفزة نوعية على جميع المستويات، وأصبح عدد الإناث في الأقسام أكبر من عدد الذكور، وتتجاوز نسبة نجاحهن في عدة مجالات نسبة نجاح الذكور، ولنا في الأرقام الرسمية خير دليل.

ثم ما دلالة أن يعطي السيد الرئيس هذا التوجيه للسوسيين (والسوسيات أساسا)؟ ألا يذكر هذا بما قام به أحد قيادات الحركة الوطنية سابقا حين طلب من السوسيين التركيز على المقاومة، في حين وجه أبناءه وأبناء عائلاته للدراسة والاستفاذة من التعليم العصري الفرنسي، ثم بعد الاستقلال سعى نفس التوجه لحصر آفاق أبناء سوس في “تجارة التقسيط”، وتم حرمان العديد منهم من ولوج التعليم العالي أو بعض المهن الخاصة بفئة ذون أخرى، بل طلب أحدهم من السوسيين الاكتفاء بإعطاء المال للقيادة الحزبية، وعدم المساهمة في اتخاذ أي قرار.

إن تفكير السيد الرئيس لا يخرج عن هذا المنطق، ويسعى لإنتاج نفس التراتبية، في الوقت الذي ضمن لبناته تكوينا عاليا، قد يسمح لهن بولوج مراكز القرار أو على الأقل العمل بالقرب من مراكز القرار، في حين يدفع بنات الشعب باسم أولوية الزواج، إلى العمل خادمات وبأجر زهيد واستغلال بشع.

أما وصفه لمستوى معيشة بعض ساكنة سوس، واستعماله لعبارة “ما قبل التاريخ”، مترجمة إلى الفرنسية préhistoire فلا يمكن وصفه إلا بكلام غير مسؤول وخارج السياق.

فبغض النظر عن الحمولة الايديولوجية للكلمة الفرنسية المستعملة، وما تحيل إليه تاريخيا، فالجميع يعرف أن العديد من مناطق سوس نجحت في تحقيق مستوى معين من التنمية بفضل أبنائها وبناتها، خاصة المهاجرين، الذين غادروا “تامازيرت” ذون أن تغادرهم، وظلوا متشبتين بها، فأسسوا جمعيات تنموية، وتعاونوا على إنجاز العديد من البنيات التحتية، وكانوا نموذجا يحتذى به حتى قبل ظهور فكرة “المبادرة الوطنية للتنمية البشرية”.

أكيد لازالت هناك بعض المناطق تحتاج لبعض البنيات الأساسية (وللسيد الرئيس جزءا من المسؤولية)، لكن لا يمكن وصف وضعيتهم بحالة “ما قبل التاريخ”، لأن مفهوم الفقر يختلف بين من يستطيع توفير قوت يومه وأساسياته في منطقة جبلية، وبين من يعيش في حي راق بالعاصمة الرباط، يرى الفقر في عدم التوفر على السيارة أو أجود الهواتف المحمولة أو الويفي.

ويكفي حظور السيد الرئيس في وجبة فطور واحدة في إحدى دواوير سوس لكي يعرف “بشحال كاع كيعيش السوسي”، كما قال يوما ما، في كلمة عفوية غير مسؤولة.

إن المطلوب من السيد الرئيس عبد الإله بن كيران أن يعي حجم وثقل صفة رئيس الحكومة (سابقا) التي يحملها، وأن يستفيذ من أقرانه في البلدان الغربية، حيث يصبح بعض الرؤساء السابقين مرجعا في التحليل السياسي ويقدمون خبرتهم وينشرون الكتب ويعطون حوارات ذات قيمة ويستدعون لمنتديات النقاش الرفيع.

كما يتركون للأجيال اللاحقة عبارات مسكوكة، يستشهد بها في النقاش السياسي، وتكون نبراسا للشباب من السياسيين، بعيدا عن معجم السب والشتم والحشرات والحيوانات، الذي يجعل الخطاب لا يختلف عن خطابات بعض المقاهي والأسواق الشعبية.

إن عفوية السيد الرئيس عبد الإله بن كيران، عفوية سلبية، لا تخدم العمل السياسي، وتعطي نموذجا سيئا للفاعل السياسي، ولا يمكن وصفها حتى بالشعبوية، كما هي معروفة في العالم، ولذلك يحتاج السيد الرئيس لاختيار كلمات خطاباته بدقة والعمل على ضبط عفويته، قبل أن تؤدي إلى ما لا تحمد عقباه.

  • الحسين بويعقوبي
          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى