
الصحف الحزبية تلفظ انفاسها الاخيرة !!!
- ذ.بادرة محمد//
يؤدي الاعلام دورا جوهريا في حياة المؤسسات الحزبية على اختلاف انتماءاتها وايديولوجياتها لذلك وعلى مر الزمان طالما حرصت الاحزاب السياسية على انشاء صحف ومجلات لتعبر عن رايها وموقفها وفكرها وعن تطلعات واهداف الحزب حتى تبرز هويتها السياسية وتسمع صوتها للجمهور في محاولة لإنشاء وتشكيل راي عام مساند لها لذلك كانت الصحف الحزبية بمثابة لسان حال احزابها تنشر من خلالها قراراتها ومواقفها وبياناتها وتخوض عبرها الصراع ضد الاحزاب وكل الحركات السياسية المنافسة لها في حلبة التنافس الانتخابي والحزبي كما تساهم الصحف والمنشورات الحزبية في عملية التنشئة السياسية لأعضاء الحزب ومناضليه.
ان الصحف والمجلات والمنشورات المغربية التي نشأت في احضان المؤسسات الحزبية تنوعت وتباينت اشكالياتها تبعا للمراحل التاريخية التي عاشتها الاحزاب الوطنية ففي فترة الاستعمار الفرنسي والاسباني واكبت هذه الصحف المرحلة بروح وطنية ونزعة تحررية ضد الاحتلال الاجنبي وبعد الاستقلال تباينت وتنوعت القضايا التي استقطبت اهتمام الراي العام الوطني فتشكلت مواضيعها ومحاورها وتوزعت بين القضايا القومية كالصراع العربي الاسرائيلي (فترة الستينيات) وقضايا التنمية الشاملة كأحد التحديات الرئيسية النابعة من الرغبة في الاعتماد على الذات والقضاء على كل اشكال التبعية الاقتصادية والسياسية واللغوية والثقافية (فترة السبعينيات) وفي مرحلة الثمانينيات وما بعدها شهدت هذه الصحف الحزبية قائمة جديدة من القضايا دارت حول الديموقراطية وتداعياتها في مختلف مجالات الفعل الانساني سياسيا واجتماعيا وثقافيا واعلاميا مع تسليط الضوء او النقد للسياسات الحكومية في القطاعات الاجتماعية والانتاجية وفضح الممارسات البيروقراطية واللاديموقراطية في العمل السياسي والاجتماعي وغيرها من القضايا العمومية مما يبين مدى الانخراط الفعلي للصحافة الحزبية في مواجهة الخصوم السياسيين والقوى المناهضة للديموقراطية والعدالة.
ومن الصحف التي نحت منحى الخطاب الحزبي وجاءت موافقة ومؤانسة ومجسدة للخطاب السياسي بل هي جزء عضوي من الفعل السياسي الحزبي…صحفا مثل:
– جريدة “الاتحاد الاشتراكي” الصادرة منذ سنة 1983- لسان حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.
– جريدة “العلم” التي يصدرها حزب الاستقلال منذ سنة 1946.
– جريدة “بيان اليوم” التي يصدرها حزب التقدم والاشتراكية منذ سنة 1991.
– جريدة “الميثاق الوطني” التابعة لحزب التجمع الوطني للأحرار التي يعود تاريخ صدورها الى سنة 1978.
كما يمكن الاشارة الى جرائد وصحف الاخرى مثل “رسالة الامة” لسان حزب الاتحاد الدستوري وجريدة “الحركة” المحسوبة على حزب الحركة الشعبية وجريدة “انوال” لمنظمة العمل الديموقراطي الشعبي …
هذه الصحف والمجلات الحزبية الورقية منها والالكترونية كانت من اهم الوسائل التي ربطت الاحزاب المغربية بقاعدة مناضليها وجماهيرها واذا كانت هذه الصحافة الحزبية اداة مهمة في النشر والدعاية وارسال الرسائل السياسية والمناقشات الحزبية للراي العام الا ان درجة مقروئيتها وصلت الى مستوى مخجل مقابل الصحف والمواقع الالكترونية “المستقلة” مما يطرح اسئلة محرجة من قبيل هل مشكل تراجع مقروئية هاته الصحف الحزبية مرتبط بالاستراتيجيات السياسية للأحزاب (بعد ان تحولت الى احزاب انتخابية) ؟ هل هو مرتبط بضعف التكوين والمهنية في المجال الصحفي ؟ ام هل المشكل هو بنيوي عام وهيكلي يهم قصور وضعف الاعلام العمومي وحتى الخاص وليس الاعلام الحزبي فقط ؟ هل المشكل مرتبط بارتفاع سعر الورق وتكلفة الطباعة والتوزيع وضعف الاشهار والاعلانات؟ هل المشكل هو في تآكل وانهيار مصداقية الاحزاب و”خوف” بعضها الاشتغال على القضايا المحرجة للحقل الحزبي ام المشكل في غياب القرار السياسي المستقل ؟ فهل ضعف المقروئية له صلة بضعف مصداقية الاحزاب لدى الراي العام ؟
صحف احزاب المعارضة تفقد قاعدتها الجماهيرية
من الصحف والجرائد الوطنية الحزبية المحسوبة على اليسار وعلى الوسط والتي فقدت اشعاعها وتأثيرها الجماهيري نذكر على سبيل المثال لا الحصر صحفا مثل (الاتحاد الاشتراكي) و(العلم) و(البيان) و(ليبيراسيون) و(لوبينيون) …ولقد كانت سابقا من اكثر الصحف المغربية قوة وانتشارا في فترات السبعينيات والثمانينيات وفي بداية الالفية الثالثة وتمثلت هذه القوة في عراقة هذه المؤسسات الصحفية وتاريخها النضالي واحتضانها لأمة من المثقفين العضويين الملتزمين بقضايا الانسان والمجتمع والامة والمنحازين للجماهير الشعبية والمعبرين عن امالهم وآلامهم والمحرضين للمناضلين وقوى المجتمع المدني في الدفع لإحداث التغيير والاصلاح المجتمعي وهؤلاء المثقفين منهم من اختاروا العمل الصحفي الطوعي وجعلوا انفسهم في خدمة ارساء مجتمع العدالة والمساواة غير انه في السنوات القليلة الاخيرة خبا صوت العديد من هؤلاء المثقفين واختار بعضهم ان ينزاحوا الى الهامش مفضلين الصمت والانزواء بعدما اختارت احزابهم المعارك الانتخابية على حساب الصراع السياسي والايديولوجي فتعرضت هذه الصحف لهزات عنيفة بسبب تراجع تواجد احزابها في المنظمات المجتمعية ومؤسسات المجتمع المدني وانصراف المواطنين عن الاحزاب مما ساعد على تراجع انتشار وقراءة الصحف الحزبية كما قل اهتمام هذه الصحف الحزبية بقضايا حقوق الانسان وحقوق المواطن في التعليم والصحة والشغل بل الاكثر من ذلك انهم بممارساتهم الاعلامية الحالية وكأنهم يسعون لتكريس الاوضاع القائمة وتسويغها لذى القطاع الاكبر من المواطنين ومناضلي الحزب بانه ليس في الامكان ابدع مما كان. ومن جهة اخرى هناك من الصحفيين الذين اشتغلوا في صحف احزابهم فلم يجدوا المناخ المهني الملائم للاشتغال والتعبير الحر فقرر عدد منهم الانسحاب من الجرائد الحزبية لينظموا او يؤسسوا جرائد “مستقلة”. واذا كان هؤلاء الصحفيون “الحزبيون” غير قادرين على الدفاع عن رايهم وعن حقوقهم المهنية في مواجهة سياسييهم فكيف لهم ان يدافعوا عن حقوق الاخرين؟
الصحفي الحزبي يتحول الى عضو في تنظيم اداري هيرازكي مهمته وهدفه محددان له ومرسوم سلفا ويتسم بأعلى درجات الروتينية يتحرك ويتصرف بأوامر رئيسه في الحزب او في الجريدة وينتظر الراتب في اخر الشهر كأي موظف حكومي وبحكم هذه البيروقراطية فهو بعيد تماما في عمله عن الابداع والاجتهاد فما يفعله اليوم يتكرر غدا وهو بعينه ما فعله بالأمس!
ان ازمة الوجود التي تعيشها الصحف الحزبية في المغرب تعود كما سبق ذكره الى الكثير من العوامل ذكرنا منها ما هو سياسي والذي يعود الى هذه الاحزاب السياسية نفسها التي فقدت جوهرها وصارت احزابا بلا هدف حتى ان المواطن العادي بدا يستفسر عن جدواها والفائدة المرجوة منها ولأي ادوار تليق !!! فحصل انفصال حاد بينها وبين المواطن وقبل ذلك بينها وبين مناضليها والمتعاطفين معها.
اما العامل الاقتصادي فهو ناتج عن المعاناة من ارتفاع سعر الورق وتكلفة الطباعة والتوزيع وضعف الاعلانات التجارية والاشهار حتى أصبحت هذه المؤسسات الصحفية (مشاريع فاشلة) لا يستطيع اي حزب الاستمرار فيها. اما العامل الاجتماعي فيمكن ارجاعه الى ان صحافة الاحزاب لم تجد قاعدة جماهيرية من المجتمع ولم تلاقي المتابعة والاهتمام اضافة الى رداءة الصحف الحزبية اخراجا وشكلا ومضمونا كما يغلب عليها طابع الراي ويهمن عليها قالب ثابت في ابوابها ولغة كتاب رايها لكن ما هو اغرب ان العديد من هذه الاحزاب السياسية تلجا الى الجرائد الخاصة او “المستقلة” والى الاعلام العمومي لنشر بياناتها والتكفل بتغطية نشاطاتها الحزبية؟؟؟
ثورة الاتصال والأنترنيت شكلت منافسة غير عادلة للصحف الحزبية الورقية
ادت الثورة العلمية التكنولوجية الى ظهور ما يسمى بمجتمع المعلومات مواكبا للطفرة الكبرى في تكنولوجيا الاتصال التي هيمنت على مختلف الانشطة الاتصالية ذات الطابع الجماهيري واستطاعت التفوق على البنى والهياكل الاتصالية التقليدية السائدة مع الاخذ بالنظام المفتوح في الاتصال الذي يتيح اشراك الجمهور في العملية الاتصالية والسعي الى التعرف على الاحتياجات الاتصالية الاساسية لمختلف الشرائح المجتمعية والقطاعات الاجتماعية قصد اشباعها … ولقد واكبت هذه الظاهرة الاتصالية صعود قوة المجتمع المدني وفشلت الصحف الحزبية من مجاراة هذه الوسائل الاعلامية الجديدة كما فشلت من اشباع وتلبية الاحتياجات الانسانية الاساسية بالكم والنوع الكافي من المعلومات بل سوف تتفوق هذه الوسائل والوسائط الاعلامية الجديدة في ان تكون اداة للتعبير عن هموم هذه الشرائح المختلفة.
كما ان الصحافة الالكترونية اصبحت واحدة من اهم الوسائل الرئيسية التي تقود الحركات الفكرية والسياسية التي يشهدنا عالمنا لأنها استطاعت كسر رقابة اي سلطة كانت لان لها من التقنيات والسرعة والمهنية ما يمكن ان يوفر المعلومات المجتمعية على مدار الساعة.
ان ثورة الاتصال والانترنيت والتطور الدائم في الوسائل التواصلية الحديثة يشكل منافسة غير عادلة للصحف الورقية عامة والحزبية خصوصا وبالتالي فان هذه الاخيرة اصبحت عاجزة عن المنافسة علما انه لا يجب ان ننظر الى الصحف الحزبية بانها زائدة عن الحاجة بل يجب الاعتراف ان الصحف الحزبية تلعب دورا مهما في طرح ومواكبة قضايا وطنية كبرى كما عملت على تعميق الممارسة الديموقراطية. ولقد اضطرت هذه الاحزاب المغربية الى تعويض او تعزيز صحافتها الورقية بأخرى الكترونية كوجهة حديثة لإحياء صحف الاحزاب السياسية واخراجها في قالب جديد اقتناعا منها ان فئة الشباب هم اكثر التصاقا بالتكنولوجيات الحديثة ولتحقيق التواصل بين الحزب والجمهور الافتراضي مع فتح المجال للمشاركة والنقاش في القضايا السياسية التي تشغل بال الجمهور وشكل هذا التحول الرقمي صدمة قوية للجرائد الحزبية الورقية حتى كادت ان تصيبها بالسكتة الاعلامية.
فهل بعد هذا التحول الرقمي يمكن القول ان صحافتنا الحزبية (الورقية) تلفظ انفاسها الاخيرة او انها في طريق التلاشي والاندثار؟
- ذ. محمد بادرة

تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News