الرأيالمغرب اليوم

الصحراء المغربية: صراع وجودي ومسار وحدة وطنية في مواجهة التحديات الانفصالية

  • بقلم: حسن كرياط//

تعيش قضية الصحراء المغربية منذ سنوات على إيقاع تحول استراتيجي عميق، تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، والذي أضفى على الملف دينامية جديدة تراعي تطورات المشهد الإقليمي والدولي، وتعكس وعياً سيادياً عميقاً بحجم الرهانات والتهديدات. وفي لحظة سياسية وطنية تتزامن مع تخليد الذكرى الخمسين لهذا الملف المصيري، تتجدد الحاجة إلى تقييم المسار واستشراف المستقبل، برؤية متبصرة تقطع مع السطحية الموسمية، وتستند إلى وعي تاريخي راسخ بعدالة قضية تمثل جوهر الهوية المغربية.

وعي راسخ بعدالة القضية الوطنية

لا يمكن لأي ترافع وطني ناجع أن يحقق أهدافه دون وعي جماعي بحقائق التاريخ والجغرافيا، وبجذور الانتماء العميق بين الصحراء وباقي مناطق المغرب. فمنذ نشأة الدولة المغربية، لعبت الصحراء دوراً محورياً في صياغة هويتها السياسية، كما تُجسده تجربة دولة المرابطين التي انطلقت من رحم الصحراء بفكر وحدوي وتدبير محلي مرن.

هذا الارتباط تجسد أيضاً في البيعة الشرعية التي تربط قبائل الصحراء بالعرش العلوي، وهو ما تؤكده أحداث تاريخية مفصلية، كوفد أم الشكاك سنة 1956، وخطاب الغزلان لجلالة المغفور له محمد الخامس سنة 1958. كما أن الروابط الاجتماعية والقبلية والثقافية تنسف كل مزاعم الانفصال، وتدحض أطروحة “حق تقرير المصير” التي تبني على فرضية كيان مفبرك لا يمتلك مقومات الدولة.

عدالة هذه القضية تتجاوز التاريخ والجغرافيا لتلامس بعدها القانوني والدولي، من خلال قرارات دولية داعمة لمغربية الصحراء، كرأي محكمة العدل الدولية سنة 1975، وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 2072 (1965)، فضلاً عن اتفاقية مدريد، وبيعة قبائل وادي الذهب، وسلسلة المواقف الدولية المتقدمة التي تعزز أطروحة الحكم الذاتي.

الصحراء: صراع وجود لا حدود

القضية الوطنية ليست مجرد بقايا لتصفية استعمار تقليدي، بل صراع وجودي ضد مشروع تفكيكي يستهدف ضرب وحدة المغرب الترابية، وعرقلة توسعه التنموي وامتداده الإقليمي في إفريقيا والعالم العربي. إنها معركة شاملة تقتضي تجنيداً وطنياً مستمراً، لا ينفصل عن روح المسيرة الخضراء، ولا يتوقف عند حدود الصحراء.

خمس تحديات تواجه القضية اليوم

1. خطر التقسيم: تقارير حديثة، لا سيما تقرير المبعوث الأممي ديميستورا (أكتوبر 2024)، تعيد طرح خيار التقسيم بصيغ مبطنة، ما يفرض يقظة وطنية وتعزيز الخطاب السيادي في المحافل الدولية.

2. المعارك القضائية والدبلوماسية: أحكام محكمة العدل الأوروبية بشأن الثروات الطبيعية تسعى ضمنياً إلى منح “البوليساريو” شرعية قانونية، وهو انزلاق خطير يستدعي رداً حازماً من الجهات السياسية والبرلمانية المغربية.

3. التنمية المندمجة: خيار التنمية في الأقاليم الجنوبية ينبغي أن يظل خياراً استراتيجياً غير مشروط بمآلات المسار السياسي، لمواجهة خطاب الانفصال الذي بات يتغذى على ورقة الإرهاب والمظلومية.

4. الفعالية الإفريقية: معركة طرد البوليساريو من الاتحاد الإفريقي مستمرة، ومخرجات انتخابات 2025 تُبرز أهمية التنسيق البرلماني والدبلوماسي داخل القارة لمواجهة الخصوم.

5. محاولة عزل المغرب عربياً وإسلامياً: في ظل تنامي محاولات فصل المغرب عن عمقه العربي، يواصل جلالة الملك تأكيد الربط بين الدفاع عن الصحراء ودعم القضية الفلسطينية، كما جاء في رسالته للرئيس الفلسطيني نهاية سنة 2020.

تحولات استراتيجية في مسار القضية

منذ سنة 2007، بدأت تتبلور معالم جديدة للمسار المغربي، أبرزها:

تبني المجتمع الدولي لمبادرة الحكم الذاتي كحل واقعي وعملي.

الفصل بين التنمية والحل السياسي منذ 2015، ما عزز من ثقة الساكنة في المؤسسات المغربية.

العودة القوية للمغرب إلى الاتحاد الإفريقي سنة 2017.

تحرير معبر الكركرات سنة 2020 وردع الاستفزازات الانفصالية.

اعتراف الولايات المتحدة وإسبانيا وفرنسا بمغربية الصحراء، وتراجع عدد الدول المعترفة بالكيان الوهمي إلى أقل من الثلث.

نضال متعدد الأبعاد

من المسيرة الخضراء إلى وقف إطلاق النار (1991)، وصولاً إلى معركة الشرعية داخل الأمم المتحدة، خاض المغرب معركة متعددة الأبعاد: قانونية، إعلامية، تنموية، وسياسية، دفاعاً عن وحدته وسيادته.

نداء للوحدة الإقليمية

رغم التوتر القائم مع الجارة الجزائر، وتجليات القطيعة الدبلوماسية وإغلاق الأجواء، يواصل المغرب دعوته الصادقة لفتح صفحة جديدة عنوانها الحكمة والمصير المشترك، بعيداً عن منطق التجزئة والصراع، وفي أفق بناء مغرب عربي وإفريقي متكامل.

تحية للقوات المسلحة الملكية

ولا يمكن ختام هذا المقال دون توجيه تحية تقدير وإجلال للقوات المسلحة الملكية والأجهزة الأمنية، تحت قيادة القائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة جلالة الملك محمد السادس، على ما تبديه من جاهزية وتفانٍ في الدفاع عن الوطن، وردع كل استفزاز يستهدف وحدته الترابية.

          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى