
الصحافة: بين المهنية والتلاعب بالعقول
- بقلم: حسن كرياط//
لطالما كانت الصحافة مرآةً للمجتمع، تنقل الحقائق وتعكس الواقع دون تزييف أو تحريف. فهي السلطة الرابعة التي تحمل على عاتقها مسؤولية توجيه الرأي العام، عبر تقديم الأخبار والمعلومات بمهنية وموضوعية، بعيدًا عن التلاعب والابتزاز. في عالم اليوم، بات الإعلام قوةً ناعمةً ذات تأثير هائل، قادرة على صناعة الأحداث لا مجرد نقلها، ما يطرح تساؤلات جوهرية حول دورها الحقيقي وحدود تأثيرها.
في ظل التطورات المتسارعة التي يشهدها المشهد الإعلامي، لم تعد الصحافة مجرد أداة لنقل الأخبار، بل أصبحت صناعة متكاملة، تتحكم في تشكيل وعي الجماهير، وتؤثر في مواقفهم وتوجهاتهم. وبينما يفترض أن تكون الصحافة وسيلةً لنقل الحقيقة، فقد تحوّلت في كثير من الأحيان إلى سلاح يُستخدم لتوجيه الرأي العام، وأداةٍ تُستغل لتحقيق أجندات خفية، ما يجعل المتلقي رهينةً لهذه التوجهات، دون أن يدرك حجم التلاعب الذي يُمارس عليه.
من يمتلك أدوات الإعلام اليوم، يملك القدرة على صياغة الواقع كما يريد، مستخدمًا الكلمات والصور والتقارير لتشكيل وعي المجتمعات. وكما أن البحر لا يقاوم تياراته القوية، كذلك الجمهور ينجرف أحيانًا خلف الأخبار دون تدقيق أو تمحيص، في ظل انتشار المعلومات عبر مختلف الوسائط بسرعة تفوق قدرة المتابع على التحقق منها. هنا تكمن خطورة الأمر، حيث يمكن للإعلام أن يكون قوة بنّاءة، كما يمكن أن يتحول إلى أداة تضليل وتشويه.
المسؤولية الكبرى تقع على عاتق الصحفي، الذي يفترض أن يكون ناقلًا أمينًا للحقائق، ملتزمًا بأخلاقيات المهنة، لا صانعًا للخبر وفق أهوائه أو مصالحه. فالصحافة الحقيقية لا تصدر الأحكام المسبقة، ولا تسعى إلى فرض توجه معين على المتلقي، بل تترك له حرية تكوين رأيه استنادًا إلى معلومات دقيقة وموثوقة.
في المجتمعات الديمقراطية، حيث يُحترم وعي الجمهور، تبقى الصحافة ضرورة حتمية لضمان تدفق المعلومات من مصادرها الأصلية، بعيدًا عن التشويه والتضليل. فهي ليست منبرًا للدعاية أو منصة لخدمة المصالح الضيقة، بل صوت من لا صوت له، وسلاح الحقيقة في مواجهة الزيف. فهل تدرك الصحافة اليوم خطورة دورها، أم أنها ستنزلق أكثر في مستنقع التوجيه الممنهج، متخلية عن رسالتها النبيلة؟

تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News