الرأيالسياسة

السياسة كمرآة للإنسان: رحلة في المعنى والسلطة والوعي

  • بقلم: حسن كرياط//

ما الذي يعنيه أن تكون سياسياً؟

قد يبدو هذا التساؤل ساذجاً في ظاهره، لكنه يحمل في عمقه أحد أكثر الجوانب إلحاحاً في الوجود الإنساني: العلاقة بالسلطة، بالتأثير، وبالآخر. أن تكون سياسياً لا يقتصر على تقلّد المناصب أو حمل الألقاب، بل هو أن تحيا ضمن شبكة متشابكة من العلاقات والمواقف، حيث يستدعي كل موقف قدراً من الحنكة، وحساً في التقدير، وفهماً للمصلحة – سواء أكانت عامة أم شخصية.

نحن نمارس السياسة دون أن نشعر. الموظف الذي يحسن تلميع صورته أمام رؤسائه، التاجر الذي يتقن فن الإقناع لجذب الزبائن، المحامي الذي يوظف بلاغته القانونية لنيل ثقة موكله، والسياسي الذي يحاول التأثير على جمهور متردد… كل هؤلاء يمارسون السياسة بأشكالها المتعددة، بعيداً عن قاعات البرلمانات ومقاعد الوزارات.

فالسياسة ليست حكراً على النخب أو على من يخوضون غمار الحملات الانتخابية، بل هي منظومة فكرية وسلوكية تتجلى في اختياراتنا، مواقفنا، وفي تدبير شؤوننا الفردية والجماعية. إنها مرآة تعكس تنوّع المجتمع وتعدديته، حيث تتقاطع تصورات الليبرالي والاشتراكي والإسلامي وغيرهم، على اختلاف منطلقاتهم، في سعيهم المشترك إلى التأثير وإلى السلطة.

لكن هذه الحلبة السياسية، كما هي اليوم، لا تخضع بالضرورة لمقاييس الكفاءة أو الأخلاق، بل لمنطق السوق: عرض وطلب، تنافس أحياناً نزيه، وغالباً ملوّث بالغش والخداع. المواطن يجد نفسه أمام خيارات سياسية براقة في ظاهرها، خاوية في جوهرها، تفيض عليه الوعود كما تفيض الأمطار الموسمية، لكنها تفتقر إلى المحاسبة، والشفافية، والعمق القيمي.

وهنا تبرز أزمة السياسة: عندما تتحول إلى شعارات جوفاء، وتغيب عنها أخلاقيات التنافس، تنكفئ المشاركة الشعبية، ويبتعد المواطن عن الفعل السياسي، ليتحول إلى متفرج سلبي في مشهد لا يؤمن بصدقه.

لذلك، لا يكفي أن ننادي بإصلاح السياسة من حيث الشكل، بل لا بد من إحياء معناها الفلسفي العميق، باعتبارها فعلاً إنسانياً أخلاقياً يروم بناء وعي المواطن، وتمكينه من اتخاذ القرار، والمساهمة الواعية في رسم معالم المستقبل الجماعي.

فأن تكون سياسياً اليوم عليك أن تتحمل مسؤوليتك الأخلاقية في هذا العالم، أن تدرك أن خياراتك لا تخصك وحدك، وأن تؤمن بأن السياسة ليست مجرد معركة على النفوذ، بل هي مشروع إنساني نبيل، هدفه الأسمى هو تحقيق الكرامة والعدالة والمصلحة العامة.

          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى