
“السرقة العلمية” والدكتوراة المزيفة: تطوان وأكادير مصير واحد
-
- عبد العزيز الطريبق//
انفجرت قضية الأستاذ الجامعي بأكادير، “مقاول الشواهد الجامعية”، لتطرح أمام أنظار المجتمع ما كان يتداول بين الناس باستمرار. طبعا القضية ما زالت مطروحة أمام القضاء ويجهل ما ستأخذه من أبعاد لحد الآن، وكما يقال “المتهم بريء إلى أن تثبت إدانته”…
لكن كانت هناك، في السابق، العديد من الحالات، بل محاكمات سميت بملفات “الجنس مقابل النقط”، غير أنها لم ترق أبدا لما كان، ومازال، يروج بين الناس حول استفحال المشكل الذي يتراوح بين استغلال النفوذ والجنس أو المال في مقابل مجرد التسجيل في ماستر ما أو في سلك الدكتوراة… طيعا لا يمكن التعميم والاعتقاد بفساد الجميع، فهناك أساتذة مجدون ومبدعون، لكن من يطفو على السطح، مع الأسف، هم أصحاب الفضائح. وهذا ما يعرفه الخاص والعام وما يؤججه هو غياب رد فعل صارم سواء من الجامعات المعنية أو من الوزارة الوصية…
سأبقى هنا في محيطنا المحلي، بعيدا عن كل ما راج من أشياء “غريبة” في عهد العميد السابق لكلية الآداب، مصطفى الغاشي، والتي بقيت عموما في باب “ما يروج” دون أن ترقى لمستوى التحقيق الإداري على مستوى الجامعة أو البحث القضائي… وسأتحدث عما هو ملموس ومضبوط بالحجة والدليل، كما وضعت في حقه شكاية رسمية توجت بلجن تحقيق… لكن، وهنا وجه الغرابة، بدون نتيجة لحد الآن!
يتعلق الأمر بموضوع “السرقة العلمية” التي مارسها “الدكتور” أنس اليملاحي انطلاقا من دروسي ومن بحثي في تاريخ الصحافة الوطنية، تلك السرقة التي مكنته من نيل شهادة الدكتوراة وبالتالي التعيين في منصب أستاذ جامعي بكلية الآداب بتطوان. لا أتكلم هنا عن “إشاعة” أو “ما يروج”، بل عن اتهام مباشر مبني على مقارنة بين مضامين دروسي المسروقة وبين أطروحة أ. اليملاحي، وهي عبارة عن “نسخ ولصق” لحوالي 80 صفحة من دروسي، بما فيها بعض الأخطاء المطبعية.
وإليكم موجز عن مجريات الملف…
بعد انفجار مشكل ما يعرف “بالسرقة العمية” بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان إثر مقال صدر بموقع “بناصا” بتاريخ 11 فبراير 2024، شكلت رئاسة جامعة عبد المالك السعدي لجنة للتحقيق في الموضوع (بتاريخ 19 فبراير 2024) للقيام بمقارنة ما بين دروسي ألقيتها كأستاذ على طلبتي في الماستر بكليات تطوان والمعهد العالي للترجمة بطنجة، وما بين “أطروحة” المشتكى به أنس اليملاحي المكونة من 386 صفحة والتي ناقشها في الموسم الجامعي 2019-2018.
اللجنة اتصلت بداية بعميد الكلية، مصطفى الغاشي، الذي سلمها نسخة قال إنها رسمية لهذه الأطروحة وتتكون من 208 صفحة وصدرت بمناسبة مناقشة الأطروحة في موسم 19-2018، وهو نفس ما ادعاه أنس اليملاحي. بعد اتصال اللجنة بي عبر الفيديو (بسبب وجودي خارج المغرب وقتها) أخبرتهم بوجود نسخة رسمية في مكتبة الكلية مسجلة في سجل المكتبة تحت رقم 63 وتتضمن أكثر من 380 صفحة وهي للموسم الجامعي 19-2018 وتتضمن السرقة العلمية موضوع الشكاية، وذلك عكس ما رواه العميد الغاشي. بينما لا يوجد أي أثر في المكتبة لنسخة أخرى من 208 صفحة…
حينها وجهت اللجنة بحثها لنسخة مكتبة الكلية وللنسخة الرسمية التي أرسلتها الكلية لأرشيف المركز الوطني للبحث العلمي والتقني بالرباط وكذلك للنسخة التي وضعها أنس اليملاحي في المنصة الخاصة بالتوظيف.
فماذا كانت خلاصة اللجنة بعد هذا البحث؟
أعلنت اللجنة (في تقرير توصلت به شخصيا) أن الأطروحة “تنوعت كما وكيفا (من حيث عدد الصفحات والمحتوى)”. فبالإضافة للنسخة المسلمة للجنة من طرف العميد يوم 19/02/2024، والمتكونة من 208 صفحة بتاريخ الموسم الجامعي 19-2018، هناك أجزاء من النسخة التي أرسلها عبد العزيز الطريبق للجنة وبها 337 صفحة عن الموسم 17-2016، والنسخة المحملة من منصة التوظيف الخاصة بأنس اليملاحي والمتكونة من 336 صفحة بتاريخ الموسم 17-2016، والنسخة الحاملة للرقم 66 بمكتبة الكلية والمسلمة من طرف محافظ المكتبة وهي عن موسم 17-2016 وبها 339 صفحة، ثم النسخة الحاملة للرقم 63 بمكتبة الكلية والمسلمة من طرف محافظ المكتبة وهي عن موسم 19-2018 وبها 386 صفحة، والنسخة الموضوعة في المركز الوطني للبحث العلمي والتقني (ِCNRST)، وهي عن موسم 2018-19 وبها 386 صفحة.
وعليه، يقول تقرير اللجنة، “تعذر على اللجنة التوصل إلى استنتاجات واضحة فيما يخص نسبة التطابق فقد أرسلت رئاسة الجامعة رسالة استفسارية إلى إدارة كلية الآداب والعلوم الإنسانية والأستاذ المعني بالأمر في موضوع النسخ”…
استغربت كثيرا لهذه الخلاصة ذلك أنه كان بإمكان هذه اللجنة أن تعتمد النسخة الرسمية التي تم إرسالها من طرف الكلية للمكتب الوطني للبحث العلمي والتقني، وهي نفسها الموجودة بمكتبة الكلية والمسجلة تحت رقم 63.
واستغربت لوجود عدة نسخ من الأطروحة الواحدة، منها الرسمي جدا والمتطابق في عدد صفحاته وتاريخه كنسخة مكتبة الكلية ومثيلتها التي أرسلت للمركز الوطني للبحث العلمي، بعد المصادقة من طرف إدارة الكلية. كما تعجبت لظهور نسخة يتيمة عند العميد تتكون من 208، والتي لا تحمل أي رقم تسلسلي ولا توجد في مكتبة الكلية ولا توجد لدى المركز الوطني للبحث العلمي والتقني (وهل هناك أطروحة دكتوراة من 208 صفحة؟).
بعد هذا قيل لي (أواخر يونيو من سنة 2024) بأن هناك “لجنة علمية” من كلية الآداب لتطوان ستعمل على دراسة الأطروحة المغشوشة ومقارنتها بدروسي وستعد تقريرا يبعث للوزارة قصد اتخاذ المتعين في الملف. وانتظرت حوالي سنة أخرى لكي أعلم بأن اللجنة هذه أنهت عملها وقدمت تقريرها لرئاسة الجامعة التي أرسلته بدورها للوزارة…
وسيكون من الغريب حقا ألا تستبعد هذه اللجنة نسخة 208 صفحة التي أخرجها العميد السابق والتي تفتقد لأدنى شروط الرسمية، كالرقم التسلسلي والتسجيل في سجلات مكتبة الكلية والإرسال للمكتب الوطني للبحث العلمي والتقني.
لكن وبعد حوالي سنة ونصف من انفجار المشكل وتقديم الشكاية وعدة لجن، لم يصدر بعد أي قرار في الموضوع وكأن الأمر يتعلق بموضوع استراتيجي حساس. كيف يتعذر على وزارة بأكملها البث في ملف بسيط وواضح كهذا؟ فالأمر يتعلق بحالة ملموسة وبسرقة مكتملة الجوانب وليس بافتراضات أو إشاعات. ألا يدفع هذا إلى المزيد من تفريخ تجار الديبلومات والمتاجرين بأعراض الناس والسالبين لأموالهم؟
هل يتمتع أنس اليملاحي بكل هذا “النفوذ” الذي يجعله يستمر في منصبه الجامعي المبني على دكتوراة مسروقة بدون حسيب ولا رقيب؟ والغريب هو أن كل هذا “النفوذ” الذي ينسب له لم يمنعه من الاعتقال وزيارة السجن، في شهر ماي 2024 ولمدة ثلاثة أشهر، في ملف يتعلق ب”النصب والاحتيال”. هذا الاعتقال الذي أخرج الكثير من الناس من سباتهم وجعلهم ينظرون للشخص المعني من منظور مختلف عن “الهالة” التي كان يحيط بها نفسه ك”سياسي” صاعد ونائب رئيس الجماعة الحضرية لتطوان و”مختص” في الشأن الثقافي…
لكن يبدو أن لوزارة التعليم حسابات أخرى وتوقيت آخر…
حرصت منذ البداية على وضع الملف في إطاره الصحيح، أي الجامعة ووزارة التعليم، وأنا الآن في انتظار موقف نهائي من الوزارة كي أطوي الملف في حالة صدور القرار الشافي في الموضوع، أو اللجوء للمحاكم المختصة في مواجهة كل الجهات التي سمحت بمثل هذا الغش والتلاعب بسمعة التعليم العالي بل بسمعة البلاد.

تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News