الرأيالعالم اليوم

الرهان الخاسر: دعم الجزائر لجبهة البوليساريو في ضوء التحولات الإقليمية والدولية

  • بقلم حسن كرياط* //

دعم الجزائر لجبهة البوليساريو يعد قضية شائكة ومعقدة، إذ يتداخل فيها بعد تاريخي وآخر سياسي استراتيجي. من الناحية التاريخية، فإن موقف الجزائر تجاه القضية الصحراوية يعكس التزامها بمبادئ تقرير المصير التي تبنتها منذ استقلالها. الجزائر ترى أن دعمها للبوليساريو يأتي في إطار دعم حركات التحرر الوطني ضد الاستعمار، وهو ما يمثل جزءاً من سياستها الخارجية المتماهية مع قضايا التحرر في إفريقيا والعالم العربي.

لكن هذا الموقف لا ينفصل عن السعي الجزائري لتحقيق توازن قوى في المنطقة المغاربية، حيث تعتبر الجزائر أن دعم البوليساريو هو أحد وسائل الضغط ضد المغرب في إطار التنافس الإقليمي بين البلدين، خصوصاً في ظل مساعي المغرب لتثبيت سيادته على الصحراء عبر مقترح الحكم الذاتي الذي قدمه في عام 2007. هذا المقترح لم يكن مجرد رد فعل مغربي، بل تحول إلى أداة مؤثرة في السياسة الإقليمية والدولية، مع تزايد التأييد الدولي له.

منذ طرح المغرب لمقترح الحكم الذاتي، تغيرت معطيات القضية الصحراوية بشكل ملحوظ. ففي الوقت الذي كان فيه الدعم الدولي لجبهة البوليساريو قوياً، شهدت السنوات الأخيرة تراجعاً كبيراً في هذا الدعم.

أصبحت بعض الدول الكبرى، مثل الولايات المتحدة، وكذلك العديد من الدول الأوروبية، تدعم بشكل متزايد الحل الذي يقترحه المغرب. واعتُبر مقترح الحكم الذاتي، الذي يمنح الصحراء إدارة ذاتية تحت السيادة المغربية، الحل الأكثر واقعية والمقبول دولياً. وهذا التغيير في الديناميكيات الدولية يزيد من الضغط على الجزائر ويدفعها إلى إعادة النظر في موقفها السياسي.

إضافة إلى ذلك، يعاني الدعم الجزائري للبوليساريو من تداعيات اقتصادية وسياسية محلية وإقليمية. فالعلاقات المتوترة بين الجزائر والمغرب، نتيجة هذا الدعم، تساهم في إعاقة التعاون الاقتصادي بين البلدين، الذي يمكن أن يعود بالنفع على شعوب المنطقة. على سبيل المثال، مشاريع الربط الطاقوي والتبادل التجاري التي كانت مرشحة للنمو بين الجزائر والمغرب توقفت بسبب الخلافات السياسية، مما يضر بالاستقرار الاقتصادي في المنطقة المغاربية.

من جهة أخرى، نجد أن القضية الصحراوية لم تعد تحظى بالأولوية نفسها في السياسة الدولية، حيث أصبحت التهديدات الأمنية الحديثة، مثل الإرهاب والهجرة غير النظامية في شمال إفريقيا والساحل، هي الشغل الشاغل للمجتمع الدولي. هذه التحولات تؤثر على قدرة الجزائر في الحفاظ على سياستها الثابتة تجاه البوليساريو، مما يجعل الاستمرار في دعم الجبهة عبئاً سياسياً واقتصادياً في ظل الأوضاع الراهنة.

وفي ضوء هذه التحولات، قد يكون من الأجدر بالجزائر إعادة النظر في سياستها تجاه القضية الصحراوية. بدلاً من الاستمرار في دعم البوليساريو كأداة لتحقيق النفوذ الإقليمي، يمكن للجزائر البحث عن طرق لتعزيز التعاون مع المغرب في مجالات الأمن والتنمية المشتركة، مما سيساهم في بناء علاقات ثنائية أكثر استقراراً ويحقق منافع اقتصادية وسياسية أكبر للطرفين. هذا التحول قد يساهم في تخفيف التوترات ويساعد على استقرار المنطقة المغاربية في ظل التحديات الإقليمية والدولية الراهنة.

في النهاية، يبدو أن المضي في السياسة الحالية لن يؤدي إلا إلى تفاقم الجمود السياسي والاقتصادي في المنطقة المغاربية، بينما يمكن للتعاون والتفاهم بين الجزائر والمغرب أن يؤدي إلى نتائج إيجابية تنعكس على الشعوب والدول في المنطقة.

* بحث في الاعلام وعلوم الاجتهاد

 

          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى