الثقافة

الرباط: الملتقى الثقافي الأول بمؤسسة دار ااسلام حول “التراث المائي عبر تاريخ المغرب”..

نظمت دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع بالرباط بشراكة مع مجلة البادية المغربية الملتقى الثقافي الأول الموسوم ب : التراث المائي عبر تاريخ المغرب : الأنواع – الاستعمالات – التدابير، يوم السبت 16 نونبر 2024 ابتداء من الساعة الثالثة بعد الزوال، بالرواق  الجديد للمكتبة. تكلف بالتنسيق السيد علي نايت الدوش مدير المطبعة، والأستاذة زعيمة بلكامل.

احتفى المشاركون في هذا الملتقى بمناسبتين وطنيتين بارزتين : الذكرى 49 للمسيرة الخضراء المظفرة، و الذكرى 69 لعيد الاستقلال المجيد.  واستهل الحفل، بتلاوة آيات بينات من الذكر الحكيم من طرف المقرئ عثمان فروني عن مندوبية الشؤون الإسلامية بالرباط، وتلى ذلك النشيد الوطني.

تمت جدولة تقديم مقالات العدد 12 المخصص للماء ضمن جلستين، أولهما ترأسها الأستاذ الفاضل لحسن تاوشيخت، المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث، شارك فيها السادة الأساتذة والأستاذات البضاوية بلكامل ورجاء الغندور وهشام الغرباوي. وترأس الجلسة الثانية الأستاذ الفاضل المحجوب قدار، كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، وأسهم فيها السادة الأساتذة نبيل الطويهري ولحسن تاوشيخت ومحمد المسناوي.

بالنسبة للجلسة الأولى رصدت الأستاذة  البضاوية بلكامل مسار مجلة البادية المغربية منذ الإرهاصات الأولى سنة 2006 إلى غاية العدد 12، للسنة الجارية. بينت بأن صاحبة المقترح هي الأستاذة الفاضلة حليمة بنكرعي، التي أوكلت للأستاذ محمد حجاج الطويل مهمة إدارتها وأشركت بلجنة التحرير ثلة من الأساتذة.

احتوت  المجلة على مقالات قيمة لباحثين من المغرب وخارجه ، همت العمق التاريخي  للبادية ممثلا في عصور ما قبل التاريخ وما قبل الإسلام بالمغرب خاصة، وشمال إفريقيا بشكل عام. وتوقف  باحثون عند العامل المناخي لكونه أساسيا بالنسبة للبادية، ودرس بعضهم مختلف أنماط الإنتاج الفلاحي، واستحضر آخرون أدوار المرأة باعتبارها عنصرا فاعلا في البادية، بل ركيزته الأساسية. ولم تغفل المجلة جائحتي كورونا 19  والجائحة الحيوانية بحيث خصصت لهما ملفان ضمن العددين التاسع والعاشر.

ولم يغب الماء بتاتا من أجندة الباحثين منذ العدد الأول، بحيث بلغ عدد المقالات المتعلقة بالماء وأنواعه وتدبيره وألياته وانعكاسات التغيرات المناخية 12 مقالا، ولذا أدرج  معظمها  ضمن هذا العدد الجديد كملف خاص. لقد فرض الماء على ساكنة البوادي على مر العصور، بذل مجهودات كبيرة لتوزيعه وتخزينه وتقسيمه، وأيضا ابتكار وتطوير تقنيات مائية كالخطارة.

اهتمت رجاء الغندور بثلاثة مقالات تهم التاريخ القديم ، أولها مقال حول بعض مظاهر عبادة المياه في شمال إفريقيا القديم خلال الوجود الروماني. فبعدما استحضرت تجليات تقديس الماء بباقي الحضارات القديمة. ذكرت اعتمادا على صاحبة المقال بأن ساكنة شمال افريقيا أحلوا هم أيضا الماء في صدارة انشغالاتهم الدينية، بل أضفوا صفة القدسية على كل أنواع الموارد المائية من ينابيع وعيون وآبار وغيرها. ويعتبر أمر طبيعي في منطقة تعتمد أساسا على النشاط الفلاحي والرعوي، وهذا ما تدل عليه النقائش مجال انشغال الباحثة .

واعتبرت موضوع الأرحية المائية بشمال إفريقيا القديم هاما، لكونه واحدًا من أهم الموارد الطاقية في شمال أفريقيا خلال الحقبة القديمة. فقد استخدم في عددٍ من الأنشطة الحِرفية والفلاحية بالأرياف والمدن، وهو ما انعكس بالإيجاب على الإنتاجية الاقتصادية. و يكتسي نهر سبو مكانة تاريخية واقتصادية واجتماعية مهمة، نظرا لدوره في نشأة وتعاقب التجمعات البشرية على ضفافه عبر تاريخه الممتد ؛ كما لا تخفى صلاحيته للملاحة،  ولأهمية الثروات الطبيعية التي يوفرها. وبالرغم مما ذكر عن أهميته ، يتساءل صاحب المقال عن سر ضعف ذكره في المصادر.

توقف هشام الغرباوي عند التمثلات والطقوس المرتبطة بندرة الماء، مستعرضا مختلف الطرق والأساليب التي لجأ إليها مجتمع المغرب الأقصى خلال العصر الوسيط، لمعرفة ما ستكون عليه السنة من خصب أو قحط؛ حيث امتزجت هذه الأساليب بما هو سحري، وما له علاقة بعلم التنجيم والأنواء، وبما يدخل في نطاق الكرامة الصوفية. تطرق كذلك لمختلف الطقوس التي دأب الإنسان الوسيطي على ممارستها، طلبا للغيث، وبغية الاطلاع على ما ستحمله السنة من أمطار اعتمادا على نتيجة الطقس. كما سلطت المداخلة الضوء على مختلف شرائح المجتمع الذين ادعوا القدرة على التنبؤ بسقوط المطر، سواء من العامة والخاصة، أو الأولياء  الذين ادعوا قدرتهم على فك شفرة السماء.

استأنفت الجلسة الثانية، بمداخلة نبيل الطويهري الذي أقر ككل المتدخلين بأن الماء مادة حيوية ورئيسية للاستقرار الانساني، ويشكل مادة علمية للعديد من ضروب المعرفة. أما موضوع الماء ببادية سوس، فتم الاهتمام به من زاوية التراث الثقافي، بشقيه المنقول وغير المنقول و كذا التراث غير المادي، إذ لا زالت بعض البوادي تستغل و تدبر المياه بطريقة تقليدية. غير أن هذه الطرق التقليدية، أصبحت تختفي رويدا رويدا مع التشجيع على السقي بالتنقيط واستعمال التقنيات الزراعية الحديثة وتخلي العديد من الاسر عن أراضيهم بسبب ضيق مساحتها على اثر تقسيمها بين الورثة ، فلم تعد تفي بالزراعة المعيشية . مما أدى إلى الهجرة نحو المدن .

يتشكل التراث المائي بالواحات المغربية أساسا من الخطارات التي تعتبر بفضل تقنيتها المتفردة تراثا مغربیا فريدا. فهذه التقنية العبقرية استطاعت الحفاظ على استمراريتها بالرغم من المتغيرات المتسارعة. إن دراسة التراث المائي بواحات المغرب، یضعنا في قلب الأهداف الرامية إلى المحافظة على هذا التراث وتثمينه، في ظل أزمة الماء الحالية والمستقبلية. وهكذا فإن استخدام الخطارات لسقي الأراضي الفلاحية، يحث الكل على الحفاظ عليها وصيانتها ، وإحیاء  القیــم الإنسانية النبيلة التي تتضمنها.

ولم يغب الماء في الشعر الأمازيغي، إذ استمتع الحضور ببعض الأبيات الملقاة باللغة الأمازيغية والمترجمة للغة العربية  والمستقاة من أعمال رواد ومن دواوين شعرية أمازيغية ويشكل شح الماء أو ندرته هاجسها الأكبر.

اكتست أسئلة الحضور وتعقيبات بعضهم بدورها، أهمية كبيرة، إذ عكست شغفهم للاستزادة من ينابيع المعرفة حول البادية المغربية، بل أكدت على جدوى الانكباب على مواضيع لم تأخذ بعد حقها من الدراسة، وهي على سبيل الذكر لا الحصر حسب المشاركين ، موضوع  المطبخ والاكلات ، والعيون وعددها ومدى انتشارها ، وبعض الطقوس لاستدرار المطر.

نظم بين الجلستين حفل شاي على شرف الحضور، أعقب ذلك تكريم الدكتور جمال لكراكز  وتوزيع الشواهد على رواد المجلة والمشاركات والمشاركين بمداخلات في الملتقى الثقافي الأول. وكانت البرقية التي رفعت لصاحب الجلالة الملك المفدى محمد السادس نصره الله، هي مسك الختام تلتها الباحثة الشابة أمينة المستحيي، باحثة في سلك الدكتوراه، جامعة بن طفيل.

          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى