
الذكاء الاصطناعي في خدمة التنمية الحضرية: مدينة أكادير نموذجا
- بقلم سعيد الغماز * //
في زمن تتسارع فيه الابتكارات التقنية ويُعاد تشكيل مفهوم المدينة، لم يعد الذكاء الاصطناعي ترفًا تزين به النخب خطابها، ولا حكرا على المدن العالمية الكبرى. بل أصبح ضرورة حضرية لا يمكن تأجيلها، خصوصا في مدن مثل أكادير التي تعيش على وقع دينامية عمرانية متجددة.
الحديث عن “أكادير مدينة ذكية” ليس رفاهية فكرية ولا دعوة للترف، بل استجابة عقلانية لتحديات متراكمة، وسعي واقعي لضمان تنمية مستدامة ذات كفاءة وشفافية.
أكادير بين الواقع والمأمول:
كثيرون يرون في مطلب “أكادير مدينة الذكية” ضربا من الترف في سياق مدينة تعاني من مشكلات يومية من قبيل: الكلاب الضالة، أطفال الشوارع، إشكالات النظافة، ضعف النقل العمومي… إلخ. هذا الطرح، وإن بدا واقعيا للوهلة الأولى، يغفل حقيقة مهمة: الذكاء الاصطناعي ليس بعيدا عن حل هذه المشكلات، بل أداة فعالة لتدبيرها بأقل تكلفة وبفعالية أعلى.
فليس من المنطقي أن نضع الذكاء الاصطناعي في كفة، وهموم المدينة اليومية في كفة أخرى. بل يجب أن نرى الذكاء الاصطناعي كجسر بين الحاضر المأزوم والمستقبل الممكن. المدينة الذكية لا تعني مدينة بدون مشاكل، بل تعني مدينة تعالج مشاكلها بذكاء وكفاءة.
الذكاء الاصطناعي: بنية تحتية لا تقل أهمية عن الطرق والأنفاق
حين نتحدث عن التأهيل الحضري، فإننا نقصد الطرق، الإنارة، شبكات الصرف، والماء والكهرباء والاتصالات… لكن ماذا عن البنية التحتية الرقمية؟ المدن الذكية اليوم لا تُبنى فقط بالإسمنت، بل تُبنى أيضًا بالكابلات، والمستشعرات، وقواعد البيانات، ومراكز جمع المعطيات.
في هذا السياق، لا بد أن ندعو المسؤولين المحليين إلى إدراج الذكاء الاصطناعي في صلب مشاريع التأهيل الحضري الجارية. فكما يتم تخطيط الإنارة أو التهيئة الطرقية، يجب كذلك التخطيط للبنية الرقمية للذكاء الاصطناعي، والتي يمكن إجمالها في الآتي:
زرع المستشعرات في إشارات المرور، وفي حاويات النفايات ومراكز جودة الهواء والماء.
ربط الإنارة والكاميرات بشبكة الإنترنت.
توسيع شبكة الألياف البصرية (fibre optique)
إنشاء مركز رقمي لتجميع وتحليل البيانات الحضرية.
هكذا، يصبح تدبير المدينة خاضعا لتحليل المعطيات وليس للتخمين، ويُمكّن المسؤولين من اتخاذ قرارات فورية وفعالة مبنية على معلومات دقيقة.
التحول الرقمي فرصة لتطوير المدينة وليس عبئًا ماليا:
تأجيل الاستثمار في الذكاء الاصطناعي ليس عبئا ماليا، وإما هو طريقة ناجعة لتخفيض كلفة القرارات الخاطئة التي تبرز في المستقبل. على سبيل المثال، تثبيت الألياف البصرية اليوم مع أشغال توسيع الطرق لا يكلف إلا القليل، مقارنة بتكاليف إعادة الحفر والبناء بعد سنوات. المدن الذكية لا تتطلب تمويلا أكبر من تأهيل المدن التقليدية، بل فقط تتطلب تفكيرا استباقيا واستثمارا عقلانيا في المستقبل.
ما هي المدينة الذكية؟
المدينة الذكية ليست فقط شبكة من التقنيات، بل فلسفة جديدة في تدبير المجال الحضري. هي منظومة متكاملة تُوظف تقنيات المعلومات والاتصال لجمع وتحليل البيانات الحضرية، بهدف تحسين جودة الحياة، وتطوير الأداء الإداري، وتقوية المشاركة المجتمعية.
ركائز المدينة الذكية
البنية التحتية الرقمية: الإنترنت عالي السرعة، مراكز المعطيات، الألياف البصرية.
نقل ذكي: إشارات مرور متكيفة، تطبيقات تتبع الحافلات، تخطيط ديناميكي للطرقات.
الطاقة المستدامة: عدادات ذكية، إضاءة عمومية مبرمجة، الاعتماد على الطاقات المتجددة.
الخدمات الرقمية: وثائق إدارية عبر الإنترنت، خدمات القرب الذكية.
البيئة الذكية: مراقبة جودة الهواء والماء، إدارة رقمية للنفايات.
الأمن الذكي: كاميرات ذكية، مراقبة فورية، تنبؤ بالمخاطر.
المجتمع الذكي: تمكين المواطنين من المساهمة في اتخاذ القرار، شفافية الميزانيات والمشاريع.
لماذا تحتاج أكادير إلى الذكاء الاصطناعي؟
لأن الذكاء الاصطناعي يقدّم أجوبة عملية وسريعة على مشكلات متجذرة:
يمكنه تحسين تدبير حركة المرور وتقليل الازدحام.
يتيح رسم مسارات جمع النفايات حسب الحاجة، بدل التسيير التقليدي القار والجامد.
يساعد في ترشيد استهلاك الطاقة عبر مراقبة الإنارة في الوقت الحقيقي.
يعزز الأمن من خلال تحليل فوري للكاميرات المرتبطة بالخوارزميات.
خاتمة: بين الحلم والواقع هناك مسافة تُبنى بالتخطيط
ليست أكادير بعيدة عن ركب المدن الذكية. فالمدينة محظوظة بالإرادة الملكية السامية في تأهيل المدينة، والمشاريع الجارية على الأرض توحي بتحول كبير. لكن هذا التحول سيكون ناجعا أكثر إذا ما أُرفِق ببنية رقمية ذكية تؤطره وتحميه من الأعطاب التي يمكن أن تبرز في المستقبل.
إن المدينة الذكية ليست حلمًا طوباويا، بل مشروعا حضريا قابلا للتحقيق، شريطة توافر الإرادة السياسية، والرؤية الاستراتيجية، والانفتاح على الكفاءات التكنولوجية. وكما لم يكن الحلم بالطريق السريع أو القطار الفائق السرعة مستحيلا، لن يكون الحلم بمدينة ذكية في أكادير بعيد المنال.
*سعيد الغماز-كاتب وباحث في الذكاء الاصطناعي

تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News