الثقافةالرأي

الخبر الأمازيغي في مواقع التواصل الإجتماعي: من التهميش إلى واجهة النقاش الرقمي

  • بقلم : عبد الواحد بومصر //

في ظل التراجع المستمر للإعلام العمومي في تغطية قضايا الهوية والتنوع الثقافي، برز في السنوات الأخيرة ما يُعرف بـ”الخبر الأمازيغي” على منصات التواصل الاجتماعي، خصوصًا على الفايسبوك، اليوتيوب، وتيك توك؛ حيث أصبحت هذه المنصات فضاءً مفتوحًا أمام النشطاء الأمازيغ لنقل واقعهم اليومي، والتعبير عن قضاياهم الثقافية والاجتماعية واللغوية بمنسوب عال من الحرية.

لم يعد الخبر الأمازيغي حبيس الجمعيات الثقافية أو اللقاءات النخبوية، بل صار مادة يومية يستهلكها جمهور عريض، خصوصًا من يندرجون منهم ضمن فئة الشباب، وذلك من خلال فيديوهات ميدانية، بث مباشر، أو تدوينات من عمق الهامش، ليصير الصوت الأمازيغي حاضرًا بقوة في الفضاء الرقمي، عاكسا نبض الشارع والمجتمع ومطالب السكان المحليين التي غالبًا ما يغيب تداولها في الإعلام الرسمي.

ورغم هذا الحضور اللافت، فلا يزال هذا النوع من المحتوى يعاني من إشكالات كبيرة. أبرزها غياب المهنية في بعض الصفحات والمبادرات؛ حيث يتم أحيانًا نشر أخبار دون تحقق، أو الخلط بين الرأي والخبر، مما يُضعف من مصداقية هذا الصوت الإعلامي الصاعد. كما أن خوارزميات هذه المنصات تروّج أكثر للمحتوى الترفيهي والمثير، على حساب المضامين الجادة، مما يُرغم بعض صناع المحتوى الأمازيغي على مجاراة التراند trend بدل التركيز على عمق الرسالة ومحمولاتها.

ورغم هيمنة الفضاء الرقمي، لا يمكن إغفال الجهود التي بذلتها بعض الصحف والمجلات الأمازيغية المغربية على مدار السنوات الماضية، والتي كان لها دور مهم في إيصال “الخبر الأمازيغي الموثوق” بمهنيّة ومصداقية. إضافة إلى ذلك، نجد بعض الصحف الورقية والإذاعات المحلية، التي سعَت إلى تغطية قضايا الإنسان الأمازيغي بهدوء وتحليل دقيق وموثوق، محاولةً لتقديم صورة واضحة عن الهوية والثقافة والحقوق الأمازيغية.

ورغم الصعوبات التي واجهتها هذه المؤسسات، مثل ضعف التمويل وقلة الدعم الرسمي، فقد كانت رائدة في التأسيس لمشهد إعلامي أمازيغي يراعي المهنية والموضوعية، مما يجعلها اليوم مصدر إلهام لصانعي المحتوى الرقمي الأمازيغي.

إلى جانب ذلك، تفتقر أغلب المبادرات الأمازيغية الرقمية إلى التنسيق والتنظيم؛ إذ تبقى في الغالب مجهودات فردية معزولة، دون دعم مؤسساتي أو تكوين إعلامي كافٍ. وهذا ما يجعل السعي إلى بناء رأي عام أمازيغي رقمي قوي ومستدام، قادر على التأثير في السياسات العمومية أو فرض الحضور في الأجندة الوطنية، أمر بعيد المنال.

ومع ذلك، يظل الأمل في المستقبل قائمًا، فالإعلام الرقمي الأمازيغي يملك إمكانيات واعدة ليصبح بديلًا حقيقيًا للإعلام الرسمي، شرط أن يتطور في اتجاه أكثر احترافية وتنظيمًا، مع فتح آفاق التكوين والتعاون بين الفاعلين المباشرين والغير المباشرين في هذا المجال، فالقضية الأمازيغية اليوم في حاجة إلى خطاب إعلامي حديث، واعٍ، ومسؤول.

ختاما، تظل مواقع التواصل الاجتماعي مجرد أداة، أما التأثير الحقيقي فيصنعه المضمون، والصيغة والرسالة. والخبر الأمازيغي أمامه الآن فرصة تاريخية ليصبح صوتًا موثوقًا ومؤثرا ، يُعبّر عن عمق مجتمعي متنوع، ويساهم في بناء وعي جماعي جديد.

          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى