المغرب اليوم

 الحرية والاستقلال في فكر محمد الخامس والتأسيس للتنمية في المغرب الحديث

توصل الموقع بمناسبتي المسيرة الخضراء وعيد الاستقلال 2024 من الأستاذ محمد أكعبور مرشد ديني بالصويرة باحث في الخطاب والإعلام الديني، بهذا المقال القيم ننشره كاملا تعميما لفائدته.

  • بقلم : ذ.محمد أكعبور//

 الحرية والاستقلال في فكر محمد الخامس والتأسيس للتنمية في المغرب الحديث - AgadirToday

الحمد لله على نعمة السلطان، موحد وباني وحامي الأوطان ورحم الله من قضى نحبه منهم في سبيل نصرة العباد وتحرير البلاد ومد اللهم في أعمار من ولي منهم مواصلة البناء والإعمار.

سأعرض لهذا الموضوع من خلال هذه المفاصل :

المفصل الأول: حرية الأوطان في فكر السلطان

استفتحه بالإشارة إلى أنه في البنية السياسية والدينية بالمغرب يصعب الفصل بين الحرية والاستقلال لأن العلاقة بينهما استتباعية فكلما ورد أحدهما يرد الآخر وهما توأمان حقيقيان.

كان السلطان محمد الخامس رحمه الله ينظر إلى الحرية على أنها استقلال أجزاء الوطن كله في إطار الوحدة الوطنية والترابية للمملكة، لكون جلالته أدرك أن فرنسا حرمت المغاربة من أبسط الحقوق والحريات فجعلتهم صنفين:

قاصرين – محاجير وهؤلاء رفعوا في وجهها الحناجر كما رفعوا بأيديهم لمواجهتها الخناجر.

وبذلكم تعني الحرية السيادة والوحدة والتنمية .

المفصل الثاني: الدلالة والأبعاد

تتخذ الحرية دلالتها من خلال ممارستها ويتخذ مفهومها في فكر السلطان محمد بن يوسف أبعادا منها:

1_ البعد السياسي: ويتجلى في خطاب جلالة الملك محمد الخامس بمناسبة تنصيب صاحب السمو الملكي الأمير مولاي الحسن وليا لعهد المملكة المغربية، يوم الثلاثاء 10 ذي الحجة 1376 الموافق 9 يوليوز 1957، وهو الخطاب الذي تضمن وصية خالدة من جلالته إلى نجله وولي عهده. ومما جاء فيه “فحافظ على استقلاله ودافع عن وحدته الجغرافية والتاريخية، ولا تتساهل في شيء من حريته ولا تتنازل عن قلامة ظفر من تربته”.

ولا يزال هذا المجد يخلًّد حتى الساعة في كل موقع وساحة وهذه الندوة العلمية تجلٍّ من ذلكم التخليد الذي أصبح اليوم أقوم التقليد.

2_ البعد الوطني: يذكر الأكاديمي عباس الجراري أن أول خطاب للسلطان عقب اعتلائه العرش 1927 تحدث عن أمرين اثنين وهما:

العمل الفكري من خلال تطوير الفكر والعقل المغربي في إطار مؤسساتي هي المدرسة والمعهد والجامعة والمسجد وقيادة معركة الحرية والاستقلال.

كما تمثل هذا البعد في إصدار جلالته لقوانين وتشريعات أسمى لحماية الحقوق المواطنة والحريات العامة وأسمى تلكم التشريعات الظهائر الشريفة: الظهير الشريف رقم 1.58.376 حول الحريات العامة بالمغرب، وهو ظهير مرجعي في مجال منظومة الحريات بالمغرب.

3_ البعد الديني: والذي ركز على تحرير العقل والفكر المغربي من الشعوذة الناتجة عن مخلفات الاستعمار.

حماية المكونات الإثنية والدينية واللغوية في علاقة المغرب بدول الجوار الجغرافي والحضاري والثقافي.

البعد الإنساني: ويتجلى في حماية المشترك الآدمي رغم اختلاف الديانة وهنا نذكر اقتضاء وليس قضاء علاقة اليهود المغاربة بالسلطان وتوجسهم بعد صدور قوانين عنصرية أو ما يعرف بقانون فيشي .

وجوابا على رسالة وجهت لجنابه الشريف في شأن منح يهود مغاربة حريات عامة قائمة على ميثاق حقوق الإنسان الذي أعلنت عنه منظمة الأمم المتحدة 1948… يرد بأن “جلالته يتمنى أن يتم تعميم ممارسة هذه الحريات كي تشمل كافة رعاياه بلا استثناء أو تمييز” لذلك وصفوا جلالته بالملك العادل والحليم.

وبذلكم سهر السلطان المغفور له محمد الخامس على تحرير الوطن والعقل المغربي والفكر العلمي من مخلفات الاستعمار.

المفصل الثالث : عبقرية ملك : من المسيرة الخضراء إلى المسيرة التنموية

تأسست التنمية والإعمار في الولاية الحسنية باستكمال الوحدة الترابية للمملكة بمختلف المبادرات والابتكارات.

ومنها عبقرية ملك: المسيرة الخضراء، المحطة السياسية السلمية في الأدبيات الدبلوماسية التي سحرت العالم بفكرتها وتنظيمها وهندستها ومسارها وأهدافها.

وذلك مجلاه في فقرات مختارات من ” نص الخطاب الملكي السامي التاريخي الذي وجهه صاحب الجلالة من مدينة أكادير إلى الشعب المغربي وإلى المتطوعين بطرفاية للانطلاق في المسيرة الخضراء” الحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه

شعبي العزيز: قال تعالى في كتابه الحكيم: ((فإذا عزمت فتوكل على الله)) صدق الله العظيم.

فعلا شعبي العزيز لقد عزمنا وعزمنا جميعا ككل مرة في التاريخ، قررنا أن نعزم عزمنا وقررنا أن نسير بمسيرة سلمية خضراء مدعمين بحقوقنا، محاطين بأشقائنا ورفاقنا، معتمدين قبل كل شيء على إرادتنا وإيماننا.”

وكثيرة هي الدروس والعبر المستفادة من المسيرة الخضراء المضفرة في سياق تنظيمها فــــــ” إن عملية المسيرة كانت لنا بمثابة كنز ومنجم كبير استخرجنا منه دروسا وعبرا: دروسا أولا بالنسبة إلينا وعبرا بالنسبة للآخرين

أولا: شعبي العزيز تيقنت الآن وآمنت أن المغرب وشؤون المغرب ومستقبل المغرب في أيد أمينة في أيد طافحة بيمن الله، مليئة بالوطنية متشبتة بعملها، لاصقة بأرضها وتربتها.

دروسا بالنسبة للبذل والعطاء:

وها أنت شعبي العزيز أظهرت مرة أخرى أنك تبذل وتعطي، وماذا تعطي وتبذل؟ تبذل وتعطى أغلى ما عندك ألا وهو روحك، حياتك، حياتك، حياتك في البيت وجودك مع أهلك حياتك العادية، وهذا كله أعطيته لبلدك بكيفية تلقائية، بكيفية تجعل كل أحد جعله الله سبحانه وتعالى على رأسك بحمده ليل نهار أن أعطاه شعبا مثلك، ويسأل الله ليل نهار أن يزيده من فضله ويحيطه بتوفيقه، حتى يتمكن من القيام بواجبه نحو شعب كالشعب المغربي.

أما العبر الأخرى بالنسبة للآخرين:

أولا: تمكنا من معرفة دقيقة بمن هم أصدقاؤنا وأشقاؤنا، وبين من هم أرادوا أن يروا لهذا المشكل كما يرى له أي أجنبي عنا.

بالنسبة لما كتب ولما قرئ لم يثق بنا كثير من الناس في الأول، وظنوا أنها مغامرة، وظنوا أنها عملية سياسية تمكننا من تغطية عيوبنا ومشاكلنا. والحالة هاته أن الذين قالوا هذا الكلام أو كتبوه ينقسمون إلى قسمين:

فمنهم من يجهل المغرب ولا حرج عليه، ومنهم من يعرف المغرب ومع ذلك كتب عليه ما كتب أو قال فيه ما قال، وما ذلك إلا لغيظ في نفوس الذين كفروا، وما ذلك إلا لحسد وحقد ضد هذا البلد الذي ولله الحمد، أعطى وسوف يبقى يعطي الأمثلة والدروس لغيره.”

ومن الفقرات القوية في الخطاب والتي تنفذ للعمق والكيان المغربي كلام جلالته _رحمه الله_” غدا إن شاء الله ستخترق الحدود، غدا إن شاء الله ستنطلق المسيرة، غدا إن شاء الله ستطالون أرضا من أراضيكم، وستلمسون رملا من رمالكم وستقبلون أرضا من وطنكم العزيز. “ولايكاد امرء يتملك نفسَه وقلبُه تلقى هذه الكلمات الملهمات في رسم معالم كبرى المهمات، فاستجاب الشعب من دون استثناء وهبوا هبة وهم على قبل رجل واحد تملكهم إحساس الاستجابة.

وعلى فتح الله وبركته يقول جلالته” فسر شعبي العزيز على بركة الله تكلأك عنايته وتحف بك رعايتك، وسدد الله أقدامك وخطاك وجعل هذه المسيرة مسيرة فتح مبين على الشعب المغربي وعلى إخواننا الصحراويين الذين نحن على أحر من الجمر للقاء بهم ولعناقهم والتعرف عليهم.

وإننا نحمد الله سبحانه وتعالى أن هدانا إلى صراطه المستقيم، وجعلنا ننهج نهجه القويم، راجين منه سبحانه وتعالى أن يديم علينا نعمة الحمد والشكر، حتى نحمده كثيرا ونشكره كثيرا ويلبي دعواتنا كثيرا، إنه سميع مجيب وبالإجابة جدير والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته…”

قسم المسيرة؛ عهد ووفاء: بمناسبة 6 نونبر 1978خطب جلالة الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه خطابا جاء فيه “فهذا القسم شعبي العزيز، أقسمت أنك ستكون بارا به، كما أقسمت أن تلقنه أسرتك وعشيرتك، لأن الأجيال تمر، والبلاد تدوم.

وهذا نص القسم ” أقسم بالله العلي العظيم أن أبقى وفيا لروح المسيرة الخضراء مكافحا عن وحدة وطني من البوغاز إلى الصحراء، اقسم بالله العلي العظيم أن ألقن هذا القسم أسرتي وعرتي في سيري وعلانيتي، والله سبحانه هو الرقيب على طويتي وصدق نيتي”.

المفصل الرابع: المسيرة التنموية بأرض المسيرة ودورالشراكات الجيوستراتيجية

ستعرف المسيرة التنموية بالأقاليم الجنوبية أوجها في العهد المحمدي الزاهر، بحصول المغرب على الاعترافات الدولية المتواليات من لدن القيادات السياسية الدولية وكذا من الهيئات التنظيمية بالسيادة المغربية على كامل ومختلف أراضيه، ليؤسس الملك محمد السادس للجيل الجديد من الشراكات الجيوستراتيجية انطلاقا من محوري العيون والداخلة، باعتبارها منطقة تربط افريقيا بأوروبا في سبيل النهوض بالجيل الجديد من التنمية في المشروع الملكي التنموي.

وبمناسبة الذكرى التاسعة والأربعين للمسيرة الخضراء، وجه جلالة الملك محمد السادس خطابا ساميا إلى شعبه الوفي _فقال حفظه الله_عن الحدث” وهي مسيرة سلمية وشعبية، مكنت من استرجاع الصحراء المغربية، وعززت ارتباط سكانها، بالوطن الأم.

ومنذ ذلك الوقت، تمكن المغرب من ترسيخ واقع ملموس، وحقيقة لا رجعة فيها، قائمة على الحق والشرعية، والالتزام والمسؤولية”

إن هذه المبادئ الأربعة “الحق والشرعية، والالتزام والمسؤولية “هي أركان العمل التنموي في المسيرة العمرانية التي ابتكرها الفكر المحمدي مستلهما من التاريخ والأدبيات الاجتماعية والأواصر المكينة التي تربط المغرب في جنيسة اجتماعية طبيعية تلتف حول العرش العلوي المجيد مناصرة مؤازرة مباركة جهودا تترى تنفيذا لعهود لا تتوارى.

وكلما حلت ذكرى 6 نونبر من كل عام، إلا ونترقب الخطاب الملكي على أمواج الإذاعة وشاشة التلفزة ليعلن جلالته عن مشاريع تنموية كبرى تعم المغرب وأخرى تخص الصحراء المغربية، ولو تتبعنا خطابات جلالته بالمناسبة منذ توليه عرش المغرب في إحصاء وجرد تلك المبادرات والبرامج والمشاريع النفعية ما استطعنا حصرها حتى في مجلدات.

وعن مثل تلك الإعلانات التي يبتهج بها الشعب المغربي بمناسبة حلول هذه الذكرى :

الدعوة الملكية الكريمة إلى هيكلة مؤسسات وإحداث أخر للترافع عن خطاب الجالية وفي ذلكم المقام يرد المقال من جلالته _نصره الله _”ونود الإشادة هنا، على وجه الخصوص، بروح الوطنية التي يتحلى بها المغاربة المقيمون بالخارج، وبالتزامهم بالدفاع عن مقدسات الوطن، والمساهمة في تنميته.

وتعزيزا لارتباط هذه الفئة بالوطن، قررنا إحداث تحول جديد، في مجال تدبير شؤون الجالية المغربية بالخارج.

وذلك من خلال إعادة هيكلة المؤسسات المعنية بها”.

إن المسيرة الخضراء المضفرة باعتبارها حدثا تاريخيا مرجعيا في الفكري السياسي المغربي تنم عن عبقرية ملك خبر التخطيط الاستراتيجي ليتأسس عليها تلقائيا المنظور المحمدي للتنمية تلحق منافعها المواطنين المغاربة بأرض الوطن كما بأرض المهجر لأن الوطن للجميع فمن شأن هيكلة ” مجلس الجالية المغربية بالخارج “وإحداث “المؤسسة المحمدية للمغاربة المقيمين بالخارج “وتفعيل “الآلية الوطنية لتعبئة كفاءات المغاربة المقيمين بالخارج”ليوفر البيئة السليمة المحفزة لمواطنينا من مختلف النقط الدولية وضع رساميلهم رهن الإشارة التنموية بالمغرب بشكل عام وبأرض الصحراء المغربية بشكل خاص .

هذا ، وإن المسيرة الخضراء المضفرة ما تزال وستضل تمد المغرب بمقومات حضارية وعمرانية تمكنه من صياغة نماذج مبتكرة في التخطيط التنموي العصري وهذا ما جعل المملكة تخلق نماذج تنموية :

النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية، وقد جاء في الخطاب الملكي ليـوم 6 نونبر 2013، بمناسبة الذكرى 38 للمسيرة الخضراء أنه «وحرصا منـا علـى ضـمـان شـروط النجاح لهذا النموذج الطمـوح، القائم على الإبداع وروح التشارك، فإنه سيتم تزويده بآليات ناجعة للحكامة المسؤولة، فضلاً عن كونه يندرج في إطار الجهوية المتقدمة، التـي تخـول اختصاصات واسعة للمجالس المنتخبة.

ويظـل هـدفنـا الأسمى، جعل أقاليمنا الجنوبية فضاء للتنمية المندمجة، والعيش الكريم لأبنائها، وتعزيز بعدهـا الجيو-استراتيجي، كقطـب جـهـوي للربط والمبادلات بيـن أوروبا وإفريقيا جنوب الصحراء».

برنامج تنمية الأقاليم الجنوبية ) 2015- 2021(،والذي أعلن عنه جلالة الملك محمد السادس نصره الله بتاريخ 6 نونبر/تشرين الثاني 2015

النموذج التنموي الجديد ابريل2021.

إن المغرب قد وفر كل الظروف والشروط اللازمة للاستثمار من أجل خلق التنمية بمحور الجنوب بنفس الحظوظ التي في الشمال والشرق والوسط وبذلكم أصبحت الأقاليم الجنوبية وجهة استثمارية بامتياز.

وأرى ختم هذا العمل بما ورد في خطاب جلالته _حفظه الله _إلى شعبه الوفي بمناسبة الذكرى التاسعة والأربعين للمسيرة الخضراء” إن التضحيات التي قدمها جيل المسيرة، تحفزنا على المزيد من التعبئة واليقظة، قصد تعزيز المكاسب التي حققناها، في ترسيخ مغربية الصحراء، ومواصلة النهضة التنموية، التي تعرفها أقاليمنا الجنوبية.

وبنفس الروح، يجب العمل على أن تشمل ثمار التقدم والتنمية، كل المواطنين في جميع الجهات، من الريف إلى الصحراء، ومن الشرق إلى المحيط، مرورا بمناطق الجبال والسهول والواحات.”

وللبعد السياسي والوطني والديني وظيفة فعالة _مما تأسس في فترة الحرية والاستقلال مع جلالة المغفور له محمد الخامس تترجَم مظاهرُ تخليده في احتفالات الشعب المغربي بعيد الاستقال 18 نونبر من كل عام وما تأكد من مراسم تخليد لذكرى 6 نونبر من كل سنة كما تتلقى عند كل ملقى يلقي فيه جلالة الملك محمد السادس خطابا إلى شعبه الوفي والشعب مبتهج مبارِك لأعمال جلالته في النهوض بالعمران المادي والمعنوي للمغاربة وفي مقدمتها خطة التبليغ التي هيأها علماء الأمة واستثمروا فيها كل الإمكانات والطاقات الدينية المتوفرة في بيئة التبليغ الديني فأصدورا لأجل ذلك بطاقات وفق خصوصيات مغربية تجعل من الدين حافزا تنمويا وحضاريا بحكم خلافة الإمارة الله في الأرض من أجل العمارة وفي ذلكم يصدق قول الله تعالى “الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر”.

          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى