الرأيالسياسة

الحركة الأمازيغية : من “الجهاد الأصغر” إلى “الجهاد الأكبر”..

 

  • الحسين بويعقوبي

بإعلان الديوان الملكي بتاريخ 3 ماي 2023 جعل رأس السنة الأمازيغية يوم عطلة مؤدى عنه، يكون آخر المطالب الثقافية التي رفعتها الحركة الأمازيغية بالمغرب قد تحقق، ويكون بذلك قد أُنجز في 23 سنة من حكم الملك محمد السادس ما لم يُنجز سياسيا للأمازيغية طوال تاريخها الطويل. فلم يسبق لهذه اللغة، ذات أكثر من ثلاثة وثلاثين قرنا، أن كانت في قلب اهتمامات الدول والإمبراطوريات المتعاقبة على حكم المغرب، ولم تخضع قطّ لمسار أكاديمي من أجل تهيئتها اللغوية، ولم تكن موضوع اهتمام أي مؤسسة رسمية، كما لم تكن قط في قلب التأليف المكتوب، إلاّ استثناء في بعض المناطق، ولم يسْع أحد لجمع معجمها العام كما لم يسبق أن عرفت تجربة تدريس جدّية باستثناء تجربة المدارس الفرنسية-الأمازيغية في عهد الحماية الفرنسية (1912-1956) التي كان لها سياقها الخاص، ولم يكن هدفها الحفاظ على اللغة ولا نقلها للأجيال المقبلة، كما لم يعترف بها أي نص دستوري مغربي قبل دستور سنة 2011.

في ظرف 22 سنة (2001-2023) حدث انفراج سياسي كبير اتجاه الأمازيغية، وتحققت كل المطالب الثقافية التي كانت تدبّج في بيانات الجمعيات وفي وثائقها الجماعية، كان أهمّها الاعتراف بالأمازيغية “لغة رسمية” للدولة في دستور 2011، كما انتقلت اللغة والثقافة الأمازيغيتين من هامش الاهتمام الرسمي إلى قلب قرارات الدولة.

بل إن الحركة الأمازيغية ومعها كل الديمقراطيين والحقوقيين الذين آمنوا بعدالة مطالبها قد نجحت في إعادة التوازن للعقل المغربي، وأسّست لمفهوم جديد للوطنية المغربية يقوم على قبول تعدد مكونات الهوية المغربية وفي صلبها الأمازيغية.

إنه نتاج أكثر من نصف قرن من النضال، تخلّلته فترات اصطدام، كان بالإمكان تجنُّبها، لكنه طبعته أيضا فترات حوار وتفاوض، أفضت لتحقيق نتائج ايجابية، تُسْهم اليوم في تقوية اللحمة الوطنية.

لكن يبقى السؤال الكبير المطروح اليوم هو : ما دور الحركة الأمازيغية بعد تحقيق كل مطالبها الثقافية؟ خاصة وأن بعد كل قرار رسمي لصالح الأمازيغية يليه خُفوت في دينامية الحركة الأمازيغية.

قد يقول قائل، لقد لعبت الحركة دورها التاريخي، ونجحت في تحقيق مطالبها، واليوم كل المسؤولية على الدولة لتلتزم بما أقرّته في قوانينها.

فليست هناك حركة خُلقت لتكون خالدة، لكنها تتأثر بطبيعة التحولات التي يعرفها محيطها ومدى تغير مواقف المتدخلين في الموضوع، وقد ينتهي وجودها بتحقق مطالبها.

وفي المقابل يمكن أن يردّ البعض بالقول بأن ما تحقق إلى اليوم، على أهمّيته، لا يعدو أن يكون إلاّ قرارات ونصوص، وما تحقق في الواقع لا يوازي أهمية هذه القرارات.

فتعليم الأمازيغية، الذي يعتبر عُصب تنمية الأمازيغية، لازال  يراوح مكانه، رغم بداية إدماج الأمازيغية في المنظومة التعليمية منذ 2003، حيث لم يتحقق التعميم الموعود، كما لا يوجد تلميذ مغربي واحد تابع دراسته في الأمازيغية طيلة سنوات تعليمه.

الشيء الذي يجعل خطر انقراض الأمازيغية لازال قائما.

كما أن التطورات التي عرفها مجال الإعلام لا ترقى لما هو منتظر، وعدد من القنوات الإذاعية والتلفزية لا تحترم التزاماتها المدونة في دفاتر التحمّلات بخصوص المدة الزمنية المخصصة للأمازيغية.

أما في مجال القضاء فلا تعدوا القرارات المتخذة أن تكون تقديم خدمات شفوية للمرتفقين، ولا تصل للمُراد من ترسيم الأمازيغية في مجال القضاء والعدالة.

وهذا الوضع هو الذي يتطلب من الحركة الأمازيغية الخروج من “الجهاد الأصغر” الذي حقق الاعتراف إلى “الجهاد الأكبر” الذي سيحقق التّمكين.

ويُقصد بهذا الأخير الاستثمار الأمثل لسياق الاعتراف الذي تعيشه الأمازيغية من أجل تتبع وتقييم تفعيل الدولة لالتزاماتها الدستورية، كما يفرض السياق تحول فعاليات الحركة الأمازيغية، باعتبارهم خبراء في الموضوع، إلى مؤطّرين ومواكبين لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية في مختلف المجالات.

أما من الناحية المجتمعية فالمعروف أن النصوص القانونية، على أهميتها و ضرورتها، لا تضمن بقاء اللغة، لكن ما يضمن ذلك هو الدينامية المجتمعية الحاملة لهذه اللغة، وضمان ظروف نقل هذه اللغة بين الأجيال.

ومن هذا المنطلق قد يكون الزمن مناسبا لتعكس الحركة اسمها الأصلي “الحركة الثقافية الأمازيغية”، من خلال الاهتمام أكثر بالإنتاج الثقافي في مختلف المجالات (السينما، الشعر، الرواية، المسرح، القصة، الفن التشكيلي، الموسيقى والغناء،…) وتشجيع مختلف الممارسات الثقافية الأمازيغية واستثمار التطور الإعلامي (المرئي والمسموع والرقمي) لكي تحيى هذه اللغة بإبداعها في كل المجالات.

كما يمكن لفعاليات الحركة الأمازيغية طرح باقي القضايا كالحق في الأرض وتقسيم الثروة والحريات واحترام حقوق الإنسان…بتنسيق مع الإطارات ذات الاهتمام المشترك، بغية تحقيق الديمقراطية المنشودة من طرف الجميع.

إذا كان الجيل الأول من مناضلي الحركة الأمازيغية نتاج سياق الإقصاء والقمع، ومع ذلك نجح في إنتاج خطاب علمي وحقوقي وعقلاني أثر في قرارات الدولة، فإن جيل زمن الاعتراف يحتاج لخطاب جديد ولفكرة مُثلى يتشبث بها.

          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى