التنمية المغتصبة: ساكنة بوادي سوس تجلس القرفصاء في قاعة الإنتظار
- بقلم: امحمد القاضي //
تناقلت بعض الجهات خبر إرتقاء المغرب بثلات نقط في تصنيف مؤشر التنمية البشرية العالمي الذي يصدره برنامج الأمم المتحدة للتنمية، حيث قفز من رتبة 123، إلى مركز 120 سنة 2024. كما تقدم في التنمية المستدامة للأمم المتحدة، حيث إحتل مرتبة 70، متأخرا على تونس التي إحتلت مرتبة 58، من أصل 166 دولة شملها البحث. تقدم طفيف لكن مشجع وملموس ناتج عن مجهودات قطاعية ومجالية. لكن المسكوت عنه أن المغرب وموريتانيا يحتلان مراتبة متأخرة بين الدول المغاربية الخمس (أنظر الصورة).
في الحقيقة منذ مدة والمغرب قابع في رتب متأخرة وغير مشرفة في عدة مجالات في التنمية البشرية من أصل 192 دولة التي يشملها التصنيف العالمي عادة.
بعيدا عن الأرقام، التي قد تصيبها المؤشرات أو تخطئها حسب دواعي النزول. إلا أن الميدان هو الفصل.
المغرب بكل برامجه الحكومية المتعاقبة، والمؤسسات المعنية بالتنمية، والقطاعات الوصية على تنزيل المشاريع ميدانيا، والمخططات الجهوية المتقدة واللامركزية، وأبحاث ودعم المنظمات الدولية المصاحبة محليا لمخططات النمو، وعملا بتوصيات البنك الدولي المجحفة، وقروض صندوق النقد الدولي الثقيلة، وأموال البنك الإفريقي للتنمية، ودعم الإتحاد الأوروبي، والصندوق العربي للإنماء الإقتصادي والإجتماعي، ومؤسسات تمويلية أخرى التي تضخ الملايين في صناديق المملكة.
إضافة للقروض الضخمة الموجهة للإستثمار، وهبات دول خليج البترودولار وغيرها الصديقة. ناهيك عن العائدات المحلية من مداخيل ضريبة القيمة المضافة الموجهة للمجالس المنتخبة، ومداخيل الفلاحة التصديرية، وإثفاقيات الصيد البحري وعائدات السياحة، وإستغلال مناجم المعادن، وتحويلات مغاربة العالم. ولا ننسى مساهمة الأنشطة والتضحية الميدانية للجمعيات المحلية المكافحة بالمغرب العميق، وتكتل المجتمع المدني والأفراد بمساهماتهم العينية المناسباتية لمحاربة الفقر، وأموال صناديق الأزمات، مثل صندوق كورونا، ودعم الفاعلين الإقتصاديين الوطنيبن والمقاولات المواطنة، وتبرعات رجالات هذا الوطن، وصولا إلى آخر العنقود من الإعانات المادية، زكاة، إحسان وإكراميات المحسنين والأفراد، والصدقات، التي لا تعلم اليسرى ما أنفقته أختها اليمنى، لقاطني القرى المهمشة والأهالي والمقربين التي تعيش الهشاشة. اللائحة تطول ومساحة الكتابة تضيق لسردها.
تعداد المؤسسات لوحدها يملأ الصناديق، فما بالك بأموالها! أموال بأرقام فلكية قد يصعب على الحسوب إحصاؤها، ويعجز العقل البشري عدها، ويتلعتم اللسان عن الفصح عنها. كل هذا الزخم من الموارد المالية لم تنجح في الرقي وزحزحت مؤشر التنمية لبلدنا درجات للأعلى، وإخراج المغرب من عنق الزجاجة ليحتل درجة مشرفة إقليميا ودوليا.
رسبنا لعدة سنوات كأمة في إمتحان التنمية، وأقصينا من مباريات الصعود للقسم الشرفي. وما نستحيي منه أكثر، إقرار السلطات العليا بفشل عقود من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في تحقيق كل أهدافها. وبقي سؤال ملك البلاد: أين الثروة؟ بلا جواب.
الواضح أن الفشل راجع للعنصر البشري الغير مؤهل أخلاقيا لتنزيل برامج التنمية المحلية. كمثل حكاية الصينيين القدامى الذين أبدعوا في بناء السور العظيم كمشروع دفاعي عسكري لحماية البلاد، ولم يفطنوا لتأهيل حراس السور، ولم يحتاج جيش الماغول والتتر تسلق السور، بل إكتفوا بدفع رشوة للحراس لإقتحامه.
هنا يكمن الفرق المؤلم بين بناء الإنسان وبناء المنشآت الضخمة.
تأخر المغرب في مؤشرات التنمية لا تنقصه الموارد المالية، ولا تعدمه الأفكار النيرة، ولا المخططات التنموية الورقية، بل يسقطه عدم تأهيل الإنسان المسؤول على تنزيل المشاريع ميدانيا.
سمات البطئ القاتل في التطور، هو ما سجلته أعيننا وعدسات كاميرات الإعلام العالمية أيام زلزال الأطلس الذي عرى على مناطق مازالت تقبع في أزمنة غابرة، وتعيش هشاشة متجاوزة في زماننا. قرى منعزلة وساكنة مهزوزة أصلا بدون هزات الزلزال. مناطق لم يصلها حقها من الثروة، فما بالك من نصيبها من برامج التنمية. فهل من مؤشر أفصح من هذه الفضيحة؟
نقطن مغربا يعيش في عالمين متناقضين وبسرعتين مختلفتين، مغرب المشاريع الكبرى، والمخططات الرياضية للكأس القارية والعالمية بسرعة البراق، والمغرب العميق، أو كما صنفه المعمر بالغير النافع، بخطى السلحفاة يصارع من أجل الوجود والبقاء حيا بأرخص التكاليف وسط قساوة الظروف. بعبارة أخرى، المغرب المتحرك والمغرب الثابت زمانيا وتنمويا.
بسوس عامة، ومنطقة أيت عبد الله خاصة،حيث تشتغل جمعية تيويزي للتنمية الإجتماعية لأيت عبد الله على محاربة الهشاشة، قرى وساكنة تعيش على إكراميات ذوي القلوب الرحيمة من أهلها القاطنة بالحواضر، وعلى فتات تمويلات المشاريع الرسمية. منذ عقود ومشاريع عديدة بالمنطقة معدة تنتظر الإلتفاتة وفي كل مناسبة ترمي تنزيلها الأزمات لسنوات أخرى. جاء وباء كورونا وجمد الحركة، وتلته فاجعة الزلزال فحولت الإهتمام الرسمي، ونحن في خضم الإستعدادات للقاءات الرياضية القارية والعالمية ستوجه التمويلات لمنشآت أضخم لسنوات أخرى. والله أعلم بالآتي، نرجوه خيرا.
في أيت عبد الله مثلا هناك مشروع التأهيل المعماري للمركز، بناء ملاعب القرب، بناء مدرسة إبتدائية جماعتية، تأخير بناء الثانوية التأهيلية، وتشغيل المركز الصحي، إضافة لبناء مؤسسة لتأطير الشباب، ومراكز تأهيل وتنمية قدرات النساء. المنطقة ليست إلا نموذج على تأخر التنمية بجهة سوس قاطبة.
تكثر الأعذار وتطول مدة الإنتظار، نهدر الزمن ونقتل الطموح في النفوس، وتعود عقارب التنمية سنوات للوراء، ويقبع الوطن ومؤشرات نمو البلد في أسفل الدرجات، ونرهن مصير الأجيال القادمة في أيدينا، وتجلس سوس والوطن القرفصاء في قاعة الإنتظار، فنظل نخجل من أنفسنا أمام الأمم.
كما يقول أحد الشعراء:
إذا لم يفدك العلم خيرا # فخير منه أن لو قد جهلتا
وإذا ألقاك فهمك في مهاو # فليتك ثم ليتك ما فهمتا
ستجني من ثمار العجز جهلا # وتصغر في العيون إذا كبرتا.
تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News