التقاعد في المغرب: الفراغ النفسي، التحديات الأسرية، والخوف من الموت
- بدر شاشا //
يعيش الكثير من المتقاعدين في المغرب حالة من التوتر النفسي والقلق بعد الوصول إلى سن التقاعد، حيث يجدون أنفسهم أمام فراغ جديد لم يعتادوا عليه، وبدون المهام اليومية التي كانت تمثل جزءًا كبيرًا من حياتهم. يتفاقم هذا الفراغ بظهور تحديات جديدة تتراوح بين الفراغ النفسي، وصعوبة التأقلم مع نمط الحياة الجديد، والمشاكل الأسرية التي تتصاعد مع عدم وجود عمل يشغلهم، إلى جانب الخوف المستمر من الموت، والضغوط اليومية التي تفرضها الحياة المعاصرة على كل فرد في المجتمع.
فالتقاعد يُعد لحظة فارقة في حياة كل شخص، حيث يُخرج الإنسان من نظام حياة مألوف عاش فيه عقوداً طويلة، مكرسًا وقته وجهده في العمل وسعياً وراء الاستقرار المهني، ليجد نفسه فجأة أمام فراغ كبير ومسؤولية جديدة، تتمثل في كيفية ملء هذا الفراغ وإيجاد معنى للحياة بعد التقاعد. وفي غياب البرامج والمشاريع التي يمكن أن تسهم في تخفيف وطأة هذا الانتقال، يجد الكثير من المتقاعدين أنفسهم عالقين في دائرة من التفكير المستمر حول الماضي، وحول ما كان يمكن تحقيقه، مما يُغذي شعورًا بالندم والإحباط ويؤدي في نهاية المطاف إلى اكتئاب يسيطر على نفوسهم.
الفراغ النفسي الناتج عن التقاعد يعد أحد أكبر التحديات، حيث يصبح للوقت الذي كان في الماضي يُستخدم لأداء المهام المهنية ثقل غير مسبوق على كاهل المتقاعد. هذا الفراغ يؤدي بدوره إلى مشاكل أسرية جديدة، إذ يلاحظ أن وجود الشخص في المنزل لساعات طويلة، في بعض الأحيان، يزيد من التوتر مع أفراد العائلة، حيث يكون هناك تفاوت بين ما كان المتقاعد يأمله من تفاعل ودعم وبين ما يمكن للعائلة تقديمه. هذا الصراع يؤدي إلى تصاعد الخلافات، في حين أن الأبناء أو الزوجة قد لا يقدرون أهمية الدعم النفسي للمتقاعد، الذي أصبح يمر بفترة صعبة من حياته ويحتاج إلى التقدير والشعور بأنه لا يزال له دور ومكانة مهمة.
الخوف من الموت يعد هو الآخر عاملاً هامًا في حياة المتقاعدين. فقد يكون التقاعد بالنسبة للبعض محطة تأمل في الحياة، وفرصة لتقييم ما مضى وما سيأتي، ولكن بالنسبة للكثيرين هو باب يُفتح على القلق بشأن النهاية. حيث تتسلل فكرة الموت بشكل مستمر إلى ذهن المتقاعد، خاصة إذا ترافق هذا مع تدهور صحي أو مشاكل طبية ترتبط بالعمر، مما يعمق مشاعر القلق والخوف. وفي مجتمع يعاني من قلة الدعم النفسي وندرة البرامج التوعوية التي تستهدف فئة المتقاعدين، يبقى هؤلاء الأشخاص محاصرين بين ضغوط الحياة التي لا تتوقف وبين همومهم الشخصية التي تزداد مع مرور الوقت.
الضغوط اليومية التي تفرضها الحياة الحديثة لا تترك مجالاً كبيراً للراحة، فالمتقاعد يجد نفسه أمام تحديات مالية واجتماعية، خاصة مع ضعف المعاشات وصعوبة تأمين متطلبات الحياة الأساسية في ظل غلاء المعيشة. وهكذا، تتحول فترة التقاعد، التي كان من المفترض أن تكون مرحلة للراحة والاستمتاع بالحياة، إلى فترة من الضغوط المستمرة والتحديات النفسية التي تعصف بشعور الإنسان بالاستقرار والطمأنينة.
وبالنظر إلى هذه الظروف، تبرز الحاجة الملحة إلى إنشاء برامج دعم للمتقاعدين، تسهم في تمكينهم من المشاركة في أنشطة اجتماعية وثقافية وتعليمية، وتساعدهم في مواجهة التحديات النفسية والاجتماعية التي تترتب على التقاعد. تحتاج الدولة والمؤسسات الاجتماعية إلى تبني برامج تأهيل نفسي وتدريب للمتقاعدين، بحيث يكون لديهم فرصٌ للاندماج في الحياة العامة، ويشعرون بأن لديهم دورًا مهمًا ومكانة في المجتمع.
إن دعم المتقاعدين في مواجهة هذه التحديات، وتوفير فضاءات اجتماعية وثقافية، وإتاحة فرص لممارسة هوايات جديدة أو المشاركة في نشاطات ترفيهية، قد يسهم بشكل كبير في تخفيف مشاعر الفراغ والخوف التي قد تسيطر عليهم، ويمنحهم رؤية جديدة وهدفًا يجعل من حياتهم بعد التقاعد فترة مليئة بالاستقرار والراحة النفسية.
تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News