الثقافة

التفاهة الرقمية: حين يصبح الفراغ محتوى والتأثير هوسًا بالشهرة والمال 

  • بدر شاشا//
كان الناس سابقًا يذهبون إلى الملاهي لترقص لهم فتاة أو يجلبونها إلى المنزل لترقص لهم مقابل المال. أما الآن، فقد أصبح التيك توك مملوءًا بالراقصات مجانًا. هذا جعلني أتساءل: أين والدا هذا الجيل الذي يرقص بشكل فاضح في التيك توك؟ وأين أمهم؟ لم أفهم، هل المال أعمى الناس، وحذفوا الحشمة والاحترام مقابل مال الإشهار؟
عندما أنظر إلى المشهد الرقمي اليوم، أجد نفسي غارقًا في بحر من التفاهات، حيث يطفو على السطح أولئك الذين يسمون أنفسهم مؤثرين. لكن، هل هم حقًا مؤثرين؟ أليس الأجدر أن نطلق عليهم لقب مفرغين أو حتى مشتتين، لأنهم لا يقدمون شيئًا يثري الفكر أو ينفع البشرية؟ بل على العكس، هم يجرون الناس وراء أوهام تافهة وكلام فارغ لا طائل منه، سوى السعي وراء المال والشهرة.
التفاهة أصبحت عملة رائجة في هذا العصر الرقمي، حيث يُستبدل الجهد الحقيقي والعمل الجاد بمقاطع فيديو قصيرة على تيك توك، حيث يغني الناس ويرقصون بطريقة قد تبدو مضحكة للبعض، لكنها في جوهرها فارغة من أي معنى حقيقي. إن هذا النوع من المحتوى ليس فقط فارغًا، بل هو مدمر للوعي الجمعي؛ يجذب الناس إلى سطحية الحياة، ويبعدهم عن التفكير العميق والمشاركة في قضاياهم الحقيقية.
ما يثير غضبي حقًا هو هذا التوجه نحو نشر تفاصيل الحياة الشخصية، والصراعات العائلية، والفضائح على الملأ. لم يعد هناك أي احترام للخصوصية، وكأننا في سباق نحو القاع، حيث يعتقد هؤلاء المؤثرون أن الإفصاح عن أسرارهم أو التباهي بمشاكلهم العائلية يمكن أن يكسبهم تعاطف الجمهور، وبالتالي زيادة أعداد المتابعين. لكن، أين القيمة في ذلك؟ ما الفائدة التي يجنيها المجتمع من مشاهدة محتويات مريضة كهذه؟
ولنكن صريحين، هذا النوع من التأثير لا يستحق التقدير. هو ليس تأثيرًا إيجابيًا يدفع المجتمع نحو الأفضل، بل هو استنزاف للطاقة والوقت والموارد. من المؤسف أن نرى الناس يتابعون بشغف مسابقات سخيفة، تافهة، تسعى فقط لملء جيوب هؤلاء المؤثرين بالمال السهل. كيف يمكن لمثل هذه المسابقات أن تسهم في تطور الفرد أو المجتمع؟ هل ستعلمنا شيئًا؟ هل ستغير من حياتنا للأفضل؟ بالطبع لا.
إن السعي وراء المال أصبح الهدف الأول لهؤلاء المؤثرين، وكأن الحياة لا تحمل قيمة إلا من خلال الأرقام: عدد المتابعين، المشاهدات، والإعجابات. هذه السعادة الأوتوماتيكية المزيفة التي يحاولون بيعها لنا ما هي إلا وهم. هم في الواقع ليسوا سعداء، بل هم أسرى للشهرة التي يلاحقونها، يعيشون تحت ضغط تقديم المزيد من المحتوى الفارغ للحفاظ على جمهورهم. ولكن، أي نوع من الجمهور يتابع هذا العبث؟ إنه جمهور يعيش على الهام
          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى