الثقافةالرأي

التعدد اللغوي والثقافي بالمغرب..

  •  بازغ لحسن //

يعتبر التعدد اللغوي ظاهرة عالمية لاتخص المغرب وحده’بل تعرفها جل المجتمعات مما دفع اللسانيين إلى الحديث عن هدا الميدان ووصفوا المؤسسات الاجتماعية التي تستعمل مجموعة من اللغات بمصطلح التعدد اللغوي ’ففي الولايات المتحدة الأمريكية مثلا تتواجد بجانب الانجليزية لغات عديدة كالاسبانية والفرنسية واللغات اللاتنية والآسيوية ولغات الهنود الحمر وفي النيجر هناك ست مجموعات لغوية في مساحة لاتتجاوز مليونا وثلاثمائة ألف كلم مربع وهي الحاوص والسونغاي و الغولاني والامازيغية التي تشمل 10في المائة .

وفي سويسرا تتعايش أربع لغات في حين  أن هناك أكثر من ستين لغة في الفيتنام أهمها الطابو والميو .وفي المغرب توجد مجموعة من اللغات تتعايش فيما بينها أفرزتها التركيبة التاريخية للمجتمع المغربي عبر تشكله الطويل وهي ظاهرة ايجابية لا تنقص من هويته بل تغنيها لأنها وسيلة لفهم الذات وفهم الآخر.فهناك اللغة الامازيغية بلهجاتها الثلاث “تاريفيت-تمازيغت –تاشلحيت”

بالإضافة إلى الدارجة بفصائلها الثلاث كذلك “الجبلي –العروبي –الصحراوي”

وهناك اللغة العربية الفصحى وأخيرا تتواجد لغات أجنبية أهمها الفرنسية والاسبانية مع الإشارة إلى العبرية التي تستعمل في نطاق اسري لدى بعض اليهود المغاربة .في هدا الإطار المتسم بالتعدد اللغوي والثقافي ماهي وضعية اللغة الامازيغية بلهجاتها الثلاث ؟ ماهي الوضعية الحالية للغة العربية ؟هل هناك علاقة قرابة فيما بين هدا التنوع آو هناك صراع لغوي موجود حاليا بالمغرب؟دلك ما سنحا ول الإجابة عنه.

يقول الدكتور القاضي قدور نقلا عن فردناند دي سوسير : يصعب التحدث عما يمكن أن يفرق بين اللغة واللهجة في غالب الأحيان تحمل اللهجة اسم اللغة لأنها أنتجت أدبا.

غير أن فقهاء اللغة يرون أن اللهجة تكون مرتبطة بذاتها ومتولدة عنها ومن اللغة الاستقلالية والتاريخانية والوظائفية”التداولية” والتقعيد “المعيارية” فهل تتوفر هده الشروط  في الامازيغية ؟

تاريخيا تواجدت الامازيغية على ارض المغارب مند ما لا يقل عن 5000سنة وتشهد عل دلك الوثائق والاركيولوجيا على الخصوص وهي ممتدة في مجال واسع أي أنها تنتشر عبر مساحة لاتقل عن خمسة ملايين كلم مربع وهي المغرب والجزائر وليبيا وجنوبي تونس و مصر وموريتانيا ومالي والنيجر والجزر الخالدات.

ويشتمل المغرب على اكبر ساكنة ناطقة بالامازيغية وعلى المستوى الوظيفي فإنها تستعمل كأداة للتواصل في مجال المعاملات الاقتصادية والاجتماعية بين الناطقين بها، ادن هي لغة حيوية ولغة أم بالنسبة لجزء كبير من أبناء الشعب المغاربي، لايفتاؤون يستعملونها بانتظام للتعبير عن دواتهم وعن مختلف حاجياتهم ويبقى التقعيد “تأسيس النحو”ضرورة ملحة وشرطا مسبقا لتدريس الامازيغية ويوجد في هدا المجال كتب كثيرة خا صة بالنحو الامازيغي ’كما تعتبر كتب تدريس الامازيغية الصادرة لحد الآن عمل مهم في توحيد الامازيغية وتقعيدها .

كما أن الدراسات حول الجغرافيا اللسانية المهتمة  بالامازيغية بالمغرب تحدد المجموعات المتكلمة بالامازيغية في ثلاث مستويات :

1-الريفيون :ويتكونون من الزناتيين الواقعيين في المجال المحاد للبحر الأبيض المتوسط ويمتدون في الداخل إلى حدود الشاطئ والمجال الجبلي المنحدر نحو الشمال والجنوب لضفة تازة وينكون من مجموعة قبائل بني يزناسن وصنهاجي زعير .

2-امازيغ الاطلس المتوسط :ويتمركزون في المجال الجبلي للاطلس المتوسط إلى حدود ملوية الوسطى في الشرق ومنخفض تازة في الشمال أما المجموعات المتواجدة بالمنطقة يمكن الحديث عن الزموريين والزيانيين في الشمال وايت احديدو في الجنوب .

3-سكان الجنوب الناطقون بتاشلحيت ويتواجدون في الاطلس الكبير والاطلس الصغير من الصويرة في الشمال الغربي الى تخوم درعة في الشرق والجنوب .

أما الدارجة المغربية فهي لهجة حيوية في تطور مستمر ودائم وهي ليست حديثة العهد بل قديمة قدم اللغة العربية الفصحى ’وهي لم تصلنا عن طريق المخطوطات ولكنها ظلت متناقلة في الأفواه .

لقد شاءت الظروف الاقتصادية والسياسية والدينية أن تتبوأ لهجة قريش ضمن اللهجات العربية بمستوى يرتقي إلى اللغة المعيارية لتصبح عندئذ لغة فصحى’فالعربية الفصحى لغة التخاطب في المنابر الدينية والخطابية مما أهلها لان تصبح لغة المكتوب ولغة الرسميات أد نفس الظروف ساعدتها لان تتجاوز القطر الواحد إلى الأقطار المجاورة لمنشئها الأصلي.

وبدلك توسع مجال نفوذها ’أما عن مجال انتشارها في المغرب فهي لاتتجاوز النظم الإدارية والمدرسية والدينية لتفسح المجال للغة إلام “الامازيغية والدارجة”لتقوم بالدور الريادي في الحياة التواصلية والتنظيمية العامة .

لقد عرف المغرب الكبير ثاتيرا لغويا قارا في بداية الأمر بعدها استمر الاستعراب حيث أن مجموعة من القبائل الامازيغية استعربت أتناء احتكاكها بقبائل عربية من جهة ونظرا لظروف أخرى من جهة ثانية.

ومن هدا المنطلق استمدت العربية المغربية مشروعيتها التاريخية ’هده المشروعية التي تتجاوز المفهوم الضيق الذي يندرج الناطقين بها في خانة العرب مقابل الناطقين بالامازيغية ’ولعل دلك ما يشير إليه شارل أندري جوليان حيت يقول “ليس هناك خطا أعظم من الاعتقاد كما فعله البعض في كثير من الأحيان في أن التقسيم بين الناطقين بالعربية والناطقين بالامازيغية يعكس تقابلا بين جنس عربي وامازيغي إن الأمر لايدل إلا على أن اللهجات الامازيغية قد استقرت في جهات أخرى إلى لغة أكثر مسايرة للظروف الاجتماعية “.

فالعربية المغربية ساعدت ظروف التطور الإعلامي والتقدم المتواضع بالنسبة للمتمدرسين إلى التوحد نسبيا خصوصا في الميدان التواصلي .

أما بالنسبة للفرنسية فقد عرفت طريقها إلى شمال ايفريقيا مع المد الكونوليالي على دول هده المنطقة وقد اعتبرتها الحماية بمثابة اللغة الأساسية في الإدارة والتعليم للحفاظ على امتيازات عديدة خصوصا في المجال الاقتصادي وادا كانت الفرنسية من مخلفات الوضع الكونوليالي فهي لاتزال إلى الآن تحتل مكانة مرموقة فهي أساسا لغة التعليم التقني والعلمي وتستخدم في الإعلام من صحف وبرامج للاداعة والتلفزة.

وبشكل ثانوي فما تزال أداة للتعبير لجزء من الإنتاج الأدبي المغربي وهي اللغة الأساس كذلك في الحقل الاقتصادي وتشهد انتشارا شفاهيا في الأوساط الشعبية خصوصا بالنسبة للعمال الدين أقاموا في فرنسا ’كما تعتبر كداك الاسبانية من إفرازات المد الكونوليالي خصوصا في مناطق النفوذ الاسباني في شمال المغرب وجنوبه إلا أن خروج المستعمر من هده المناطق جعل اللغة الاسبانية تعرف تقهقرا.

وخلاصة القول فالعربية والامازيغية لغتان تتعايشان على ارض المغرب ولا توجد أية قضية صراع بينهما لان الامازيغ لايكنون اى حقد للغة العربية وهم المدافعون عنها في مختلف فترات التاريخ . فالصراع يجب أن يكون مع اللغات الاستعمارية الدخيلة بكل ماتبته فينا من استلاب واحتقار لدواتنا كما يجب بدل الجهود في مجال تكافؤ الفرص لإحلال الامازيغية في مكانها الخاص بها ’وإدماجها في جميع مرافق الحياة والمحافظة على هدا التنوع لأنه جزء من مكونات الشخصية المغربية ’.

ولا يجب أن يفهم من هدا العمل أن الامازيغية ضرة للعربية أو منافية لها، واتفق مع الاستاد محمد شفيق اد يقول “ينبغي إن نجتهد لإيجاد وسيلة لإحياء اللغة الامازيغية والحفاظ عليها دون ادني مضايقة للغة العربية ’فلكل لغة مكانتها الخاصة والمتميزة عند المغاربة “.

          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى