التعابير الفرجوية بسوس: أصالة المبنى وثراث المعنى، وفرجة إلى حين
- بقلم امحمد القاضي*//
تتطور الحياة وتتقدم الشعوب وتبهرنا الإختراعات، ويبقى اللسان والقلب والوجدان أقرب ناقلة لمعانات وأفراح وأحزان الإنسان. يصعب على الإبتكارات إيصال وإدراك لبها.
للمغاربة تعابير تنم عن فطنة لغوية، وتنوع ثقافي ودراية بباطن الأمور، تجمع بين التجربة وبعد النظر. كمثلا، “ضربك حمار الليل”، هل لليل حمار؟ لكن حين تجتمع الضربة العشوائية للحيوان، ويكون حمارا، وفي منتصف الليل، فلن تكون العاقبة خيرا. ألم يصدق التعبير الدارجي على أحوالنا؟
الأمثال والأشعار تترجم عراقة حضارة ونباهة القوم. إذا كان الشعر الجاهلي والمعلقات بلغت درجة متقدمة من المزج بين فصاحة اللسان وقوة البديهة. وتلتها فترات أخرى تميزت بغنى في التعابير اللغوية. فقول ابوتمام أحد مجددي العصر العباسي، مثلا:
السيف أصدق أنباء من الكتب
في حده الحد بين الجد واللعب.
مع كثرة أخبار الفساد ونهب المال العام من طرف مسؤولين يتولوا أمورنا، الذي تطلع به الصحف يوميا، ألم يصبح البيت الشعري صادقا لحد الإيمان.
كما ان للشعر الأمازيغي مكانة خاصة في إرتباطه بالحياة اليومية، وقدرته على نقل التجربة على ساحة الفرجة.
النظم العفوي الفوري في أحواش سوس منهج حياة، يشكل إبداع فني بحمولة ثقافية لا يتذوق مغزاه إلا المقربون والضاربون في القدم داخل أعماق المجتمع الأمازيغي. قال أحد شعراء أحواش بقبيلة أيت عبد الله.
“أدياوي ربي أدحيني أكلاتنت
أما إخ رنتحسيب نلساتنت.”
الشاعر السوسي الذي لم يلج صفوف الدراسة، هنا يستعمل صورة التعليم في مسجد الدوار عند الفقيه، ليسقطها على الحياة والحساب.
لأن أشد فترة عند تلميذ التعليم العتيق هي المرحلة اليومية التي سيستظهر عن ظهر قلب على الفقيه ما حفظه على اللوح.
وأرحم فترة حين يخبر الفقية المتعلمين أن يعلقوا ألواحهم وهم أحرار إلى الغذ.
بمعنى اللفظي: نرجو الله أن يرحمنا بعفو منه وأن لا يجبرنا أن نستظهر أعمالنا يوم القيامة، وإلا سنال جميعا العقاب أيا كانت منزلتها.
وهذا ينم عن فطنة الشاعر ، عكس ما يذهب به بعض غلات التدين بالتركيز على شدة العقاب وتجاهل رحمة الله الواسعة.
على أي، نعيش اليوم ببلادنا أوقات عصيبة لا يخفف وطأتها سوى الترفيه عن النفس للحظات، هي هروب من واقع مرير، وتجديد للطاقة وإستعداد للتحمل بشكل أقوى، أكثر ما هي درب من الإحتفالية وإستعراض لمنجزات.
شهدت قرى سوس هذا الموسم الصيفي عدة مواسم ومهرجانات وإحتفاليات وتجمع أهل البلدة وسفر نحو الجنوب للمغتربين والزوار بشكل غير مسبوق.
وإستثناءا شهدت الساحة صحوة ثقافية بإدماج عدة لقاءات، وندوات فكرية حضرها ثلة من الأساتذة والمهتمين بكل من فيستفال تيفاوين وأفلا إغير بتفراوت، ومهرجان أجماك بإداوكنضيف وغيرها، شملت عدة مواضيع تفكك جمالية الموروث الثقافي وتحلل مرجعيته.
كما عرفت بعض الملتقيات، حملات طبية وتشجيعات للمتفوقين دراسيا والتعاونيات المسوقة للمنتوجات المجالية.
المهرجانات القروية فرصة للعودة لتقوية الأواصر بالأرض، وجمع الشتات وإحياء الرحم والنبش في مقومات الحياة بأدرار.
التعابير الفرجوية السوسية والفنون الأدائية نافدة على المجتمع، فن تراثي أنتجته نباهة الإنسان داخل القرى المعلقة من على جبال الأطلس الصغير، تنم عن عمق درايته بجوانب الحياة، وتحمل نقدا شاعري لما يدور في الشان العام، وتضفي على مرارة العيش فسحة فرجوية ترفه عن النفس وتغني التراث الشفهي الأمازيغي.
فأين لنا من إستمرار هذا الإبداع الفني، والتنوع الثقافي، والخصوصية السوسية إذا إنقطع أحواش، وتراجع النظم الشعري، وتوقفت الفرجة، وبقي المغتربون في الحواضر لدوافع إقتصادية وحجج العناية بالتنمية اولا وأخيرا؟
التنمية ليست حلما مؤجلا بسوس، أو بل هي والفرجة خطان متوازيان يلتقيان صيفا عند العودة، ويدخل أحدهما غرفة الإنتظار إلى حين.
الفرجة حاجة ثراثية إبداعية ترفيعية تخص الساكنة. والتنمية مسألة مشتركة بين المسؤول، والمنتخب، والقطاعات الوصية، والمجتمع المدني وكل من يحمل هم هذا الوطن، وما أقلهم.
المجتمع السوسي متوازن قادر على تحدي الصعاب ومواجهة التحديات، حامل الإستمرارية اللغوية والثقافية، وعامل على تنمية مداشره بقدراته وحالم بغد أفضل ومجتمع متماسك، لن تزيده الفرجة إلا تماسكا.
مجرد خواطر عابرة لمن لا يؤمن إلا بالعمل الميداني وتنزيل المشاريع على الأرض، ويريد أن يجعل من التنمية بسوس حكرا وهما يحمله الإنسان الأمازيغي بمفرده، ويتناسى أن العمل التنموي جهد مشترك بين كل الفاعلين بالبلاد. ويستصغر في المقابل دور العمل الثقافي والموروث الشفهي في حياة الإنسان.
إلى حين يلتقي الخطان أو يفترقا، تصبحون على سوس نامية وفرجوية.
*رئيس جمعية تيويزي للتنمية الإجتماعية لأيت عبد الله
تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News