التحرر من سجن الفكر: دعوة إلى التمرد على المألوف
- بقلم: حسن كرياط//
الإنسان بطبيعته يميل إلى التغيير في مظهره الخارجي، فيبدّل ثيابه مرارًا حفاظًا على نظافته وأناقته. ومع ذلك، فإنه نادرًا ما يعيد النظر في أفكاره التي قد تكون محمّلة بثقل العادات البالية والمعتقدات القاتمة التي تسلّلت إلى عقله واستوطنت فيه دون أي مقاومة تُذكر. نحن اليوم نعيش في عصرٍ يتحرك بسرعة تفوق التصور، حيث التغيير أصبح هو القاعدة الوحيدة الثابتة، ورغم ذلك نجد أنفسنا مأسورين داخل قوالب فكرية تنتمي إلى أزمنة مضت. أفكار خرافية وحكايات تجاوزها الزمن لكنها ما زالت تتحكم في رؤيتنا للواقع.
الكثير منا يشعر في أعماقه برغبةٍ مكبوتة للتحرر من تلك الأفكار التي تسربت إليه منذ ولادته، أفكار ورثها من محيطه دون أن يعي ذلك، لتصبح بمثابة قواعد صارمة توجه حياته. تلك القواعد غير المرئية تعمل كقانون يفرض علينا الخضوع الأعمى دون أن نسمح لأنفسنا بالتساؤل أو النقد. إن هذا الخضوع الذي نتبناه دون وعي يغلق أمامنا أبواب التأمل والتفكير الحر، ويمنعنا من إعادة ربط تلك الأفكار بواقعنا الذي يتغير باستمرار، فضلاً عن تفسيرها أو مراجعتها بما يتناسب مع متطلبات العصر.
وفي هذا العالم المعقّد، حيث تتداخل الأحداث وتتعدد المفاهيم، يحتاج الإنسان أكثر من أي وقت مضى إلى مرشد. لكن هذا المرشد ليس بالضرورة أن يكون شخصية تقليدية أو رمزًا دينيًا أو اجتماعيًا، بل هو مرشد فكري يحمل الإنسان على التمعّن في أفكاره، ويعينه على تفكيك موروثاته وتحليلها بجرأة وموضوعية. إن التحرر من الحفر الفكرية المظلمة التي نسقط فيها دون أن ندري يبدأ من العقل نفسه، ومن امتلاك الشجاعة لرفض المألوف والوقوف أمامه بعين ناقدة.
إن التمرد الفكري ليس خروجًا على القيم الأخلاقية أو المجتمعية، بل هو رحلة نحو النضج العقلي والروحي. هو دعوة إلى جرأة السؤال، إلى البحث عن الحقيقة في ضوء الحاضر دون الخضوع لسلطة الماضي، وإلى إعادة تعريف الذات بعيدًا عن القيود التي تفرضها العادات والتقاليد البالية.
التحرر الحقيقي لا يحدث إلا عندما نجرؤ على تحطيم الأسوار التي نبنيها حول عقولنا، تلك الأسوار التي تجعلنا نعيش في عوالم من الوهم والخوف. علينا أن ندرك أن الفهم والتساؤل هما أدواتنا للخروج من ظلام الجهل إلى نور المعرفة.
تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News