المغرب اليوم

التبوريدة المغربية: فروسية البارود لم تعد حكرا على الرجل والزي الأمازيغي يزيدها جمالا

(وكالة أنباء العالم العربي) – لا تكاد مناسبة كبرى أو عيد وطني في المغرب يخلو من ألعاب الفروسية التي تشتهر باسم (التبوريدة) وتنتشر في جميع أنحاء المغرب، بما في ذلك مناطق جبال الأطلس ومعظم القرى.

وترمز كلمة التبوريدة إلى البارود الذي يخرج من بنادق الفرسان عندما يصطفون في تشكيلات دائرية حول القائد وهم يرددون عبارات حماسية تحث على الإقدام والشجاعة، ثم يبدأون السباق بشكل منضبط ومنظم ليتم إطلاق البارود نحو الأسفل أو الأعلى دفعة واحدة وبتناغم كبير.

ويُطلق أيضا على هذا الفن الرياضي اسم (الخيالة) أو (الفانتازيا)، إذ أن عروض الخيالة على جيادهم المزينة تحاكي أجواء الحروب القديمة والهجمات.

وللتبوريدة أصول وقواعد عريقة كطقس احتفالي في العديد من المناطق المغربية، وخصوصا في المناطق ذات الطابع القروي. وتتعدد المناسبات التي يحتفل بها المغاربة وتتخللها عروض من هذا الفن الذي كان في السابق حكرا على الرجال.

لكن الوضع لم يعد كذلك مع اقتحام النساء مجال الفروسية الاستعراضية في السنوات الأخيرة.

وأجادت الفارسات ركوب الخيل، والضغط على أزندة البنادق، وإطلاق البارود بشكل موحد عند كل أداء.

* ركوب الخيل.. ركوب التحدي

تتميز الفرقة النسائية للفروسية التقليدية في واد إفران بالزي التقليدي الأمازيغي للفارسات، الذي يضفي مزيدا من الجمال والأصالة على عروضهن في فن التبوريدة وهن يرفعن بنادقهن إلى السماء قبل إطلاق البارود.

والكثير من هؤلاء الفتيات أكملن التعليم الثانوي أو الجامعي.

مليكة بوسعيد، مقدمة “السربة” الشابة التي تنحدر من منطقة الحاجب، أسَرَها ركوب الخيل منذ الطفولة؛ فتجربتها في ركوب الفرَس تمتد لأكثر من ثماني سنوات، حيث مارست هوايتها تلك في السابق بإحدى الجمعيات قبل أن تلتحق بجمعية (فصل الربيع) بسوق الأحد في واد إفران.

تقول مليكة إن ركوب الفرس وممارسة الفانتازيا ليس فيهما فرق بين الرجل والمرأة. فهي ترى أن الرغبة في ركوب الخيل وحب هذه الهواية، أهم شيئين لممارستها، بالإضافة إلى التحلي بالشجاعة والإرادة في ركوب الخيل.

وتصف هذه الهواية بأنها “ركوب للتحدي لتحقيق الطموحات”.

أما سومية الخلفي، التي ما زالت في عقدها الثاني، وهي إحدى الفارسات القائدات في فن التبوريدة الاستعراضي في جمعية (تيفسا نوزغار) بمنطقة إفران، فكانت من الفتيات اللواتي اقتحمن بكفاءة نادرة مجالا كان في السابق ذكوريا بامتياز.

شرعت سومية وهي ابنة 16 عاما في ترويض حصانها والمشاركة أحيانا بشكل خفي في عروض التبوريدة، نظرا لمعارضة بعض أفراد أسرتها بسبب نظرة المجتمع للفتاة التي تلج مجالا مخصصا للرجال.

تقول سومية إنها عندما اقتحمت مجال التبوريدة، لم تكن تقصد التطفل على ميدان سيطر عليه الرجل لسنوات طويلة، بقدر ما كان ذلك الاقتحام “ترجمة على أرض الواقع لمشاعر الصداقة والحب التي ربطتها بالخيل”.

وتوضح أن اقتحام الفتيات والنساء لهذا المجال الرياضي والاستعراضي شكّل في البداية صدمة بالنسبة للكثيرين. لكنها تقول إن عزيمة الفارسات المغربيات وجدارتهن ذللت كل الصعاب والعراقيل النفسية والاجتماعية التي لاقينها.

أما سهام نوري، ابنة العشرين عاما وإحدى فارسات جمعية (تيفسا نوزغار)، فترى أن تألق الفارسات وإثبات وجودهن يعود في الأساس إلى “تنظيمهن الجيد وحسّهن العالي في إطلاق البارود بشكل متقن، أفضل ربما من الرجال”.

ترتدي سهام في استعراضاتها زيا رسميا أصفر اللون وحذاء أحمر يسمى (التماك)، وتقول إن هناك إقبالا على فارسات البارود من قبل منظمي المهرجانات السياحية واستعراضات الفروسية.

* الزي الأمازيغي يضفي مزيدا من الجمال

ترأس خديجة الحضري جمعية (تيفسا نوزغار)، التي تعني (فصل الربيع) في اللغة الأمازيغية، وتضم 11 فارسة وست فارسات إضافيات استُقطبن من مناطق مجارورة لمدينة إفران والأطلس المتوسط، ومن بينها الحاجب، وآزرو، وخنيفرة. وتقول إن الجمعية تدرب الفتيات في فضاء يسمى (المحرك) بمنطقة أمرغوس في ضواحي وقرى الأطلس المتوسط المغربية.

وأوضحت خديجة أن هدف الجمعية هو “الحفاظ على الحصان واللباس التقليدي للأمازيغ”.

وفي حوار أجرته معها وكالة أنباء العالم العربي، قالت إن الجمعية “تحرص على اختيار الفتيات اللاتي لهن تجارب متوارثة في الفروسية… الخيل بطبيعته يحتاج الأماكن الباردة؛ لذا اختارت الجمعية منطقة بوفراح بمنطقة واد إفران كبيئة ملائمة تبيت فيها الخيول”.

وتقول إن هذه المنطقة يها 15 “سربة” من الخيول، وكل سربة تضم ما بين11 و14 جوادا.

وحول زينة الفرس والفارسة، تقول الحضري إنها تتفاوت حسب القدرة المالية “فبعض الفرسان الميسورين قد تتجاوز التكلفة المالية لفرس أحدهم 300 ألف درهم (حوالي 29.8 ألف دولار)، ناهيك عن لباس الفارس وزينة الفرس من سروج وركاب ولجام وغير ذلك. أما البندقية، فقد تتجاوز مبلغ 20 ألف درهم”.

تضيف “في التراث، وحتى الآن، هيمن الرجال على فن التبوريدة واستأثروا به؛ ولأننا نحتفل بإنجازات المرأة في تاريخ المغرب، فقد قررنا أن نبرز مساهماتها السابقة والمستقبلية في كل نواحي الحياة. ومجموعة فارسات تيفسا نوزغار فكرة مبتكرة؛ إنها غير عادية، لأنها تبين أن الثقافة لا يمكن التمييز فيها على أساس الجنس”.

* من رمز للشجاعة إلى فلكلور شعبي

لكن الباحث في الفلكلور والتراث محمد دادي يرى أن فن التبوريدة حاليا بنكهته الأنثوية لم يعد بذلك الزخم المعنوي والرمزي التاريخي الذي كان يدل عليه في العقود السابقة.

وقال دادي في تصريحات لوكالة أنباء العالم العربي إن الفروسية الاستعراضية كانت من التراث التاريخي الذي يبرز شجاعة القبائل المغربية في مواجهة المستعمرين، “فقد كانت الفروسية إحدى وسائل الجهاد والكفاح ضد المحتلين للأرض، والمعتدين على حرمات البلاد والعباد”.

وبحسب دادي، فإن من الحركات التي يقوم بها فرسان التبوريدة أنهم يتسابقون بخيولهم، فيطلقون طلقات البارود أحيانا إلى الأسفل، وأحيانا أخرى إلى الأعلى في السماء، في إشارة إلى العدو الذي قد يكون في الأرض بدباباته أو جنوده، وقد يكون في السماء بطائراته وأسلحته الجوية.

لكنه يقول إن مضامين التبوريدة تغيرت “وصارت أكثر ميلا إلى تقديم الفرجة وإلباسها طابع الفلكلور المغربي الذي يتيح جذب السياح. التبوريدة، بدخول الفارسات النساء، أضحت منتجا سياحيا مغريا أكثر منه تراثا تاريخيا”.

وصار المنظمون يتوجهون حاليا أكثر من أي وقت مضى إلى العنصر النسائي للمشاركة في التبوريدة، والتي يحضرها في العادة جمهور حاشد عاشق لهذه الاستعراضات ضمن فعاليات وأنشطة سياحية أو اجتماعية أو وطنية.

كما أن الأغاني والمواويل والصيحات التي ترافق عروض التبوريدة تشير إلى مواقف بطولية، وهي تمجد البارود والبندقية التي تشكل جزءا مهما من العرض، خاصة عندما ينتهي بطلقة واحدة مدوية.

ويُعتبر واد إفران بإقليم إفران من المناطق المعروفة بتربية الفرس البربري الأصيل؛ وهي معروفة أيضا بممارسة الفروسية التقليدية من طرف الرجال. ولا يخلو مربض أسرة من أسر المنطقة من فرس وسرج مزركش لركوب صهوته، وبندقية تقليدية لممارسة الفانتازيا، سواء داخل “سربة” منظمة أو بشكل فردي.

وفي سنة 2021، أدرجت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) عروض التبوريدة المغربية ضمن لائحة التراث الثقافي غير المادي.

(الدولار = 10.06 درهم مغربي)

          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى