الرأيالسياسة

البيروقراطية تدق أخر مسمار بنعش العمل النقابي بالمغرب.

بقلم – هند ابياض

سارع المغرب منذ بداية الاستقلال إلى تقنين العمل النقابي من خلال إصدار ظهير 24 يوليوز 1957 بشأن النقابات المهنية، ثم جاء الدستور في الفصل الثالث ليجعل من العمل النقابي حقا دستوريا على أساس أن العمل النقابي يساهم في تمثيل وتنظيم المواطن بدرجة أولى، كما نص أيضا الفصل التاسع بحرية الانخراط في أي منظمة نقابية.
غير أن العمل النقابي لم يكن وليد فترة الاستقلال، لكن بدأت ملامحه بالظهور منذ عهد الحماية وأدى ذلك بتأسيس مجموعة من النقابات ظلت مستمرة إلى الحين.
لكن قبل التحدث عن العمل النقابي في المغرب يجب أولا أن نعطي تفسيرا بسيطا لمصطلح أخد حصة مهمة في العنوان؛ ألا وهو “بيروقراطية”.
عرفها الفرنسي فانسان دي غورني على أنها كلمة مركبة من bureau وتعني مكتب و cratie وتعني الحكم أو السلطة أو القوة، وبهذا أعطي لها تعريف مرتبط بسلطة المكتب أي فئة العاملين في المكاتب الإدارية، وعرفها أيضا عالم الاجتماع ميشيل كروزيه بكونه تنظيم لا يستطيع تصحيح سلوكه عن طريق إدراك أخطائه السابقة، هذا من الناحية الاصطلاحية أما من الناحية الاجتماعية فحالة الممارسة النقابية غير مرضية في أوساط المناضلين بحيث تتسم بضعف كمي ونوعي كبيرين في جميع القطاعات ولاسيما قطاع التعليم، وخير دليل ما تشهده الساحة النضالية من تراجع في ظل ما تحاول الدولة تنزيله بمسميات عدة وضعتها النظام الأساسي الجديد الذي لم يبلور أي رؤية إجرائية ولم يقدم أي حل للملفات الفئوية المتراكمة، واكتفى بصياغة نظام أساسي ببناء مفاهيمي قد تحدث تأويلا في التنزيل والهندسة هذا من جهة.
من جهةأخرى فإن منطق النضال لدى النقابات اليوم هو منطق بعيد كل البعد عن ما تنتظره الجماهير والطبقة العاملة بكل القطاعات، ولم تعد تتصف بأي استقلالية في اتخاد القرار، بحيث أن العمل النقابي لم يؤدي أي وساطة مجتمعية بين الطبقة العاملة والدولة بأي قطاع ولا يقوم بأدواره في الحركات الاحتجاجية حفاظا على السلم الاجتماعي، ليعوض النضال من أجل المصلحة العامة بالتوافق والصراع داخل التوافق بغية تحقيق مكتسبات فردية والتقرب للمخزن، ومحاباة أرباب العمل والخضوع لمخططاته بنوع من التضليل وتفاوض استغلال لثقة المنخرطين في المكاتب النقابية واستعمالها كرقم للابتزاز في الخارطة البيروقراطية، في المقابل إخفاء بعض التجاوزات الأخلاقية التي تتم على مستوى المكاتب الإقليمية والجموعات العامة بصفة ملتوية تنقد حرفيا جوهر سياسة الاستعمار النقابي الجديد .
للحفاظ على مشروعية الممارسة الديمقراطية في النقابة يستوجب توفر ثلاثة أركان:
الحرية
المساواة
المشاركة

فهل هذا يتحقق في نقاباتنا اليوم؟

الجواب يأتي على شكل وقائع عايشناها عن قرب، فالتحول الذي ذكرناه مسبقا نعوزه لسوء التنظيم الإداري، والذي ينفرد به عدد قليل من الأفراد دون تحديد عدد الولايات المسموح بها ما يبقيهم في موقع السلطة واتخاد القرار واستعمالهم للجماهير العمالية وتحولها لمنظمة – أوليجارو- أي سيطرة عدد قليل في اتخاد القرار أما بقية المنخرطين فهم خارج إطار القرارات، وهذا من بين أسباب موت المشاركة العمالية في العمل النقابي وتراجع تأثيره على قرارات الدولة.
ختام للقول فإن العمل النقابي اليوم يعيش تراجعا خطير مما يؤثر على جدوائية أي خطوة شعبوية ومحاولة صد مخططات الدولة لتخريب ما تبقى من مكتسبات الشعب المغربي، وذلك منذ أن تخلت عن محاولتها للتحرر الاجتماعي واتخاد النيولبيرالية بديلا عن الاشتراكية الاجتماعية، ووقوفها ضد أي صوت معارض، ومحاولة تبريرها لجلسات الحوار الاجتماعي بين ألاف الأقواس، والذي بدل تحصين المكتسبات والظفر بمكتسبات جديدة تتلائم مع التغيرات السوسيو اقتصادية الجديدة، فأًصبحت مدخلا لتكريس مخططات الدولة وتمريرها بتفاوض فاضح خدمة للولبيات الاقتصادية.
يتبين لنا جليا أنه لا بديل للشغيلة عن النضال الجماعي وتصحيح مسار الحركة النقابية بتخلصها من السرطان البيروقراطي الذي ينهش جميع أعضائه من أجل الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية ، والعمل على الارتقاء بالإطار النقابي ليكون إطار ديمقراطي كفاحي واشتراكي يقف بوجه الاستغلال الرأسمالي لننتقل من سياسة الصراع الطبقي إلى التعاون الطبقي.
“أؤمن بأن النضال هو الحل الوحيد لأولئك الناس الذين يقاتلون لتحرير أنفسهم”

تشي جيفارا

          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى