
البنيوية ومأزق الذات الإنسانية: نقد روجيه غارودي
- بقلم: حسن كرياط//
في كتابه “البنيوية: فلسفة موت الإنسان”، يشنّ روجيه غارودي هجومًا نقديًا على البنيوية باعتبارها منهجًا فكريًا يختزل الإنسان إلى مجرد عنصر ضمن أنساق وبُنى مجردة، مما يطمس فردانيته وإرادته الحرة. فالبنيوية، رغم مساهماتها العميقة في الفلسفة والعلوم الإنسانية، قد انحرفت نحو مقاربة تُقصي الذات الفاعلة، وتستبدلها بمنظومات لغوية واجتماعية واقتصادية تتحكم في مصيرها دونما اعتبار لإمكاناتها الإبداعية.
ينطلق غارودي في تحليله من الجذور الفلسفية للبنيوية، متتبعًا فكر روادها مثل فرديناند دي سوسير، ميشيل فوكو، لوي ألتوسير، وجاك لاكان. ويكشف كيف أدت هذه التحولات الفكرية إلى هيمنة دراسة البُنى على حساب مركزية الذات، فتحوّل الإنسان من كائن فاعل إلى مجرد تجلٍّ لتراكيب وقوانين خارجية. في هذا السياق، يسلط غارودي الضوء على انزياح الفلسفة البنيوية نحو نوع من الحتمية التي تسلب الإنسان قدرته على التأثير في واقعه، متسائلًا: هل يمكن لعلمٍ إنسانيٍّ يتجاهل حرية الإنسان أن يكون إنسانيًا فعلًا؟
لا يتوقف النقد عند حدود الفلسفة، بل يتسع ليشمل انعكاسات البنيوية على العلوم الإنسانية والأدب وعلم الاجتماع، حيث يوضح غارودي كيف أن التركيز المطلق على البنى جعل الإنسان يبدو وكأنه مجرد إفراز لمنظومات لغوية أو اقتصادية أو ثقافية، متجردًا من الفعل الحر والإبداع الذاتي. إن هذا التوجه، كما يرى غارودي، يقود إلى تجريد الإنسان من مسؤوليته التاريخية، ويفتح الباب أمام العدمية، حيث يغدو كل شيء محكومًا بقوى لا شخصية لا يستطيع الأفراد التأثير فيها.
وفي ختام الكتاب، لا يكتفي غارودي بالنقد، بل يقترح تصورًا بديلًا يعيد الاعتبار لمركزية الإنسان في الفكر والثقافة. فهو يدعو إلى فلسفة تزاوج بين دراسة البُنى وإدراك حرية الإنسان، مؤكدًا أن أي منظومة فكرية تتجاهل الذات الفاعلة ستؤول حتمًا إلى ضربٍ من العبثية الفكرية. إن خلاص الفلسفة، وفقًا لغارودي، يكمن في استعادة الإنسان كقوة فاعلة في التاريخ، قادر على إبداع المعنى وتشكيل واقعه بذاته، لا عبر البُنى التي تحاول اختزاله.
بهذا الطرح العميق، يشكّل كتاب “البنيوية: فلسفة موت الإنسان” قراءةً نقديةً ضروريةً لكل من يسعى لفهم أثر البنيوية على الفكر المعاصر، مانحًا القارئ أدوات تحليلية تجعله قادرًا على تفكيك الاتجاهات الفكرية الحديثة، دون التفريط في جوهر الإنسانية: الحرية، والمسؤولية، والإرادة الفاعلة.

تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News