العالم اليوم

البحث عن المعنى وسط متناقضات حولنا: كشكول من الأحداث للتأمل

  • بقلم امحمد القاضي//

يحمل العالم متناقضات لأبطال محطات تاريخية خدلها الزمان فيصعب فك طلاميسها لدرجة تدهل وتحير الباحث عن المعنى. وفي الأخير نضطر لغض الطرف عن الغوص في أعماقها ونوقف التساؤلات لتستمر الحياة، لأنها حين تبدو لنا سوف تسيئ لنا ولصور أبطالها.

إليكم بعض الحالات في كشكول متنوع للتأمل والعبرة وبدون شماتة.

هل تعلمون أن الثائر العالمي تشي كيفارا أفنى حياته يناضل من أجل الطبقة المقهورة، وفي آخر المطاف وشى به راع غنم للشرطة ليتم القبض عليه؟

الشاعر الفلسطيني محمود درويش ناظم أشعار المقاومة ضد الإحتلال كانت حبيبته إسرائيلية، وغنى إحدى قصائده لها مارسيل خليفة: “بيني وبين رثا بندقية”. ونبقى في فلسطين، سنوات وياسر عرفات يجوب البلدان العربية لطلب الدعم المادي لشعب الجبارين، وفي آخر المطاف تغادر أرملته فلسطين لتعيش مع إبنته الوحيدة في أرقى أحياء باريس.

ربما تتذكرون “زطم زطم يا صدام”، السيد زطم، وتم الحكم عليه بالإعدام في بلده ونفذ يوم عيد الأضحى. وصمتت أصوات “زطم”.

كنا نظن أن صانع ثورة الفاتح بليبيا صاحب الكتاب الأخضر فيلسوف عصره، وخرج ينطق “زنكة زنكة” بلغة لم يفهمها هو نفسه فما بالك بمن حوله.

كان أسطورة الكرة مارادونا يحمل قميص “لا للمخدرات” في مونديال 89، وإنتهى به الأمر في كوبا للإستشفاء من الإدمان. صديقه الفرنسي بلاتيني كان يلبس قميص “لا للفساد”، وحين تربع على أحد كراسي الفيفا توبع بتهمة الفساد الرياضي.

جون جاك روسو الفيلسوف الفرنسي وصاحب نظريات في تربية الأطفال والتعليم عن طريق الحواس والتجربة ومخاطبة المتعلمين على قدر عقولهم، وفي الأخير وضع أطفاله الخمسة في ملجأ، رغم انه ندم على ذلك.

الكاتب الأمريكي ديل كارنيجي ألف عدة كتب حول مهارات الحياة، وكيف تكسب الأصدقاء، وأصبح مرجعا في الموضوع، وإنتهى به المطاف منتحرا.

بطل فتح الأندلس طارق بن زياد، عزل بعد ذلك من منصبه، هو ووالي إفريقية موسى بن نصير، ويحكى أنه إنتهى به الأمر معدما لا يملك شيئا، ومنهم من قال متسولا أمام المساجد!!

تحكى القصص الدموية المنسية، والله أعلم، أن الكعبة تعرضت للهجوم والتخريب في السنوات الأولى من الإسلام على يد مسلمين، وليس كفار، الأولى سنة 64 هجرية، على يد جيش الشام الأموي ويزيد بن معاوية عندما حاصروا عبد الله بن الزبير لإخضاعه، وقبلها إستباحوا المدينة لمدة ثلاثة أيام لتصفية كل المعارضين للحكم الأموي،

والثانية سنة 73 هجرية على يد الحجاج بن يوسف في محاولة لإخضاع أهل مكة لمبايعة عبد المالك بن مروان، وأصيبت الكعبة وهدم طرف منها بكثرة قذائف المنجنيق،

والثالثة سنة 317 هجرية، في عهد العباسيين، على يد القرامطة الذين هربوا بالحجر الأسود ومكث عندهم 22 سنة. ونعتبر أكبر خطر يهدد الإسلام آت من الغرب.

في دولة كان فيها التصويت والسياقة وإدارة شركة محرمة على النساء بفتاوي أئمة، وبقدرة قادر أصبحت حلال عليهن بنفس المصدر. فبينما لعهد قريب كانت تتقحم بالحرام، أصبحت ترتفع بالمباح، فما ذنب النساء اللواتي متن ولم ينعمن بتلك الحقوق؟

أحد الأحزاب ذو الأصل الشيوعي إنتهى بالتحالف في الحكومة مع حزب ذو مرجعية إسلامية، بل وقاد رئيسهم الوفد الرسمي للحج.

رئيس حكومة إستمات من أجل إصلاح نظام التقاعد، وفاز في الأخير بأكبر تقاعد في أقصر مدة عمل.

أحدهم عندما كان في منصب سامي، إعتبر حرف تيفيناغ “شينوية” متجاهلا الهوية والعمق الأمازيغي للبلد، وحين تم الإعتراف بتيفيناغ والأمازيغية من طرف الجهات العليا كلغة رسمية للبلد، مثلها مثل العربية، إبتلع لسانه.
أحد البرلمانيين رحمه الله قضى أكبر مدة في البرلمان ودخل موسوعة غينيس وهو ينتمي لحزب بمرجعية إشتراكية نادى بالتناوب.

أحد وزراء بحقيبة المالية كان ينادي قبل الإستوزار بعقلنة تدبير المالية العمومية، إستهواه مقترح البنك الدولي بتقليص كلفة الأجور، وفكرة المغادرة الطوعية، وخصص لها المليارات وأفرغ الإدارات والجامعات من الطاقات، وإستفاد مع بعض رفاقه من تعويض المغادرة وتقاعد كامل بعد سن الستين، الذي لم يفصله به سوى بضعة سنين.

من جهة أخرى وللتذكير وقراءة مغايرة للأحداث الدولية، ظللنا في العالم العربي نعتبر ان الجامعة هي كل شيئ، نحتقر من لم يلجها، ولو ان الجامعات هي التي أسست للتقدم في ميادين المعرفة التي وصل إليها العالم اليوم، وكي لا أكون قاسيا ولو أن الأمر يدخل في الإستثناءات، لماذا بيل غيتس مالك المكرسوفت، وستيف جوبس صاحب آبل، ومارك زوكربيرغ مؤسس الفيس بوك، تركوا الجامعة وخلقوا أكبر ثورة تكنولوجية يعرفها عصرنا؟ أين غابت طاقاتنا الخلاقة المماثلة أو الأكثر إبداعا وإبتكارا من هؤلاء؟ من إحتقر وطمس مجهوداتهم؟

من جهة السياسية الدولية وفي نظرة عابرة، ولو ان الموضوع أكثر تشعبا وتعقيدا، ظل حزب البعث في المشرق، والقومية العربية والأنظمة التابعة لها يعتبرون أنفسهم مركز الكون وأصل التقدم والإنفراج بالمنطقة، وإحتقروا الأنظمة الأخرى والأقليات (أو الأغلبية) والهويات الأخرى، ومولوا إنقلابات لإسقاطها، وفجأة هوت المنظومة وخرجت الهويات المحتقرة للوجود، وأضحت تلك البلدان أسوأ الدول والأكثر تخلفا وأقل إستقرارا في المنطقة. أين غاب حاملي أفكارهم بيننا؟

وكي أكون سطحيا، نفس الشيء بالنسبة لدول المعسكر الشرقي، والإتحاد السوفياتي، لم يستطيعوا حماية أنظمتهم من توغل الغرب أثناء فترة الحرب الباردة، وباعوا الوهم لقاداتنا، وسقط المعسكر وإنهزم بدون ضجيج مع تبني البيرستروكيا أيام الرئيس كورباتشوف لإنقاد ماء الوجه، وقلبت الموازين وأصبح العالم أحادي التوجه، فتغولت الرأسمالية والليبرالية المتوحشة وأفتقد التوازن. من سيحاسب هدر الزمان والإستهتار بالإنسان، والتعصب للأفكار في غياب تواصل ونقاش وحرية؟ فإن عرفت تلك الدول كيف تنجى من الفوضى، لماذا دولنا التابعة لها سابقا بلغت الحضيض؟

أي قراءة سنعطي لهاته الأحداث، التي لم تكن سوى غيض من فيض؟ اللهم أن نعتبر أن العالم تافه، ومليئ بالمتناقضات واللامعنى. ليث بعض القادة يعودوا يوما ليروا ماذا صنع بنا جهلهم وتعصبهم.

لذا نرجوكم يانخب العالم لا توهموننا بالبطولات وتفتخروا بإنجازاتكم، وتدعوا الحكمة والعقلنة في الأمور كلها، فالتاريخ قد يعيد نفسه وتهوى يوما كل الإفتراءات وتسقط الأقنعة ونصيب باليأس والإحباط. نخشى على أنفسنا أن نفقد البوصلة في زمن ستصبح فيه المستشفيات العمومية مصحات خاصة، ونحن لاحول لنا ولا قوة؛ لا للتداوي والإستشفاء، ولا طاقة لنا لتحمل الحماقات.

تصبحون على زمن أكثر معنى وأقل هبال.

          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى