المجتمع

“الإنسان.. ذلك اللغز العلمي”..

  • بقلم: حسن كرياط//

يعد كتاب “الإنسان ذلك المجهول” للطبيب والعالم الفرنسي ألكسيس كاريل من أبرز الأعمال التي تناولت دراسة الإنسان من منظور علمي دقيق، مبتعدًا عن التأملات الفلسفية البحتة. فقد كرس كاريل حياته للبحث في تركيبة الإنسان العقلية والجسدية، معتمدًا على الملاحظة والتجربة، وليس فقط على النظريات المجردة.

عاش كاريل بين جدران معهد روكفلر للبحث الطبي لسنوات طويلة، يراقب الظواهر البيولوجية والعقلية للبشر، لكنه لم يكتفِ بذلك، بل سافر بين الشعوب، مراقبًا سلوكياتهم، وملاحظًا الفروق الهائلة بين طبقات المجتمع المختلفة. التقى بالفلاحين والتجار والسياسيين والجنود، كما جمعته الظروف بالفلاسفة والفنانين والعلماء، ما أتاح له رؤية شاملة لطبيعة الإنسان، بعيدًا عن الانعزال الأكاديمي.

يؤكد كاريل في كتابه أن البشرية حققت تقدمًا هائلًا في العلوم والصناعة، لكنها بالمقابل أهملت فهم ذاتها. فقد انشغل الإنسان بابتكار الآلات وتطوير التقنيات، لكنه فشل في إدارة قواه الداخلية، مما أدى إلى تفاقم الأزمات النفسية والاجتماعية. يشير كاريل إلى أن الإنسان الحديث، رغم كل التطورات، لم يصل بعد إلى التوازن المطلوب بين جسده وروحه، وهو ما يسبب حالة من الاضطراب والضياع.

يطرح الكتاب تساؤلات جوهرية حول مستقبل الإنسان في ظل التقدم العلمي المذهل، محذرًا من أن إهمال الجوانب الروحية والنفسية قد يؤدي إلى كارثة حضارية. يدعو كاريل إلى ثورة فكرية تهدف إلى إعادة ترتيب الأولويات، بحيث لا يصبح الإنسان مجرد ترس في آلة التطور التقني، بل كائنًا واعيًا، يسعى إلى تحقيق الانسجام بين العقل والجسد والروح.

رغم مرور عقود على صدور “الإنسان ذلك المجهول”، إلا أن أفكاره لا تزال صالحة لزماننا هذا، حيث يعاني الإنسان المعاصر من التوتر والقلق وانعدام المعنى، رغم توفره على أدوات لم تكن متاحة من قبل. فهل حان الوقت لإعادة قراءة هذا العمل بعيون جديدة، لنفهم أنفسنا قبل أن ننشغل أكثر في فهم الآلات؟

          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى