الرأيالمجتمع

الإنسان بين ثقل الأمانة وتيه الوجود: معادلة العدل والاختيار

  • بقلم : حسن كرياط//

في دوامة الحياة، يجد الإنسان نفسه كائناً محكوماً بقوانين الزمن والمكان، يدور في دائرة مغلقة لا بداية لها ولا نهاية، حيث يتقلب بين تجاذبات فيزيائية غريبة الأطوار، أشبه برقعة شطرنج وجودية تحكمها صراعات داخلية بين السلطة والعدالة، بين التملك والتشارك، بين الاستبداد والحق. إن هذا الكائن الذي كُرِّم بالخلافة في الأرض، أُنيط به حمل أمانة أبت السماوات والأرض أن تحملها، ورغم ذلك، خاض غمارها بجهل مركب بحقيقتها وثقلها ومسؤولياتها.

إن الإشكالية الوجودية التي تواجه الإنسان تكمن في ازدواجيته العميقة بين الخير والشر، بين العدل والظلم، حيث يبدو وكأنه كائن متأرجح بين قوتين متضادتين تسكنان أعماقه، كما أشار النص القرآني: “إذا مسه الخير منوعا، وإذا مسه الشر جزوعا”. هذه الثنائية تجعل من وجوده معركة دائمة بين نزعاته الأنانية ورسالته الأخلاقية، بين غرائزه البدائية ووعيه الروحي، وكأنه في اختبار دائم لإرادته الحرة وقدرته على الاختيار بين الحق والباطل.

لكن هل أدرك الإنسان جوهر هذا التكليف؟ أم أنه غارق في غفلته، مشغول بتبريراته، يراوغ مواجهة الحقيقة حتى يأتي اليوم الذي يقال له فيه: “اقرأ كتابك، كفى بنفسك اليوم عليك حسيبًا”؟ إن جوهر العدالة يبدأ من داخل الإنسان، فهو مركز الخير والشر معًا، ومن خلاله يتجلى ميزان القيم في العالم. فإذا لم يكن هو ذاته قادرًا على تحقيق العدل في ذاته، فكيف يمكنه إنزاله في الأرض؟

إن هذا التناقض الوجودي بين التكليف الإلهي والضياع الإنساني يطرح تساؤلات فلسفية كبرى عن حقيقة الحرية، ومعنى المسؤولية، وحدود الإرادة. هل العدالة قيمة يمكن تحقيقها أم أنها مجرد مثال أفلاطوني يلوح في الأفق دون أن يُمسك به؟ هل الإنسان، رغم تكريمه، قادر حقًا على مواجهة وزنه الأخلاقي؟ أم أنه سيظل يدور في فلك ذاته، هاربًا من جوهر وجوده حتى يُساق إلى مصيره المحتوم؟

          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى