
الإنسان بين التيه والبحث عن الذات
- بقلم : حسن كرياط //
في زاوية منغلقة، حيث الوحدة تعانق الأفكار العالقة، وحيث الأحلام المؤجلة تتراكم بلا استئذان، يجد الإنسان نفسه محاصراً بأسئلة تتكاثر كدوائر متداخلة، يحاول عبثاً أن يفك شفرتها أو يمنحها مبرراً في زمن بات فيه السؤال جريمة والتفكير خطيئة.
إنك حين تراجع ذاتك، لا لمرة واحدة بل مرات عديدة، قد تكتشف أن ما تبحث عنه ليس إلا انعكاساً باهتاً لذات ضائعة بين حشود الذوات المتشابهة، فتتساءل: هل هو هروب نحو المجهول؟ أم انتحار بطيء؟ أم أنه نداء خفي للعودة إلى الأصل، إلى الجوهر الذي جُبلت عليه الروح؟
إننا قد نخفق في فهم ذواتنا لا لأننا عاجزون، بل لأننا لا نصغي إليها بإنصات المؤمن الذي يتلمس النور وسط العتمة، لا بإنصات الناقم الذي يحاكم كل ما يحيط به. وربما، في زحام الحياة وتناقضاتها، تصبح ذواتنا منبوذة منا، لأننا لم نمنحها المساحة الكافية لتتحدث، لتقودنا نحو يقين الخلاص في زمن تتهاوى فيه المعاني ويتكاثر فيه الابتذال.
لكن، أليس الإنسان في جوهره كائناً ينسى ليعود فيتصالح مع نفسه؟ أليس هو ذلك الكائن الذي، رغم كل ندوبه وأخطائه، لا يزال قادراً على استعادة إنسانيته في عالم تملؤه الكراهية والشرور؟ لماذا لا نُعيد إحياء الإنسان في ذاته، ونتركه يتحدث بلغته الأولى، لغة الفطرة النقية، بعيداً عن الحسد والضغينة؟
إن إنسانيتك تبدأ لحظة إدراكك لجوهر وجودك: أن تكون كائناً واعياً، خُلق لا ليُدمر أو يُنقص من غيره، بل ليكون جسراً نحو حياة أسمى، نحو عالم أكثر احتفاءً بالحب والتقدير. فما أروع أن تقرأ كتاب الإنسان في إنسانيته، حيث تتجلى أعظم معاني السمو، وتتكشف أبهى صور النقاء، لعلّك بذلك تبلغ السعادة الحقيقية، السعادة التي لا تُشترى ولا تُكتسب، بل تنبع من الداخل، من تلك المصالحة العميقة مع الذات.
- حسن كرياط باحث في الإعلام//

تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News