المجتمع

الإعلام في قلب المعركة من أجل الأرض: كيف يصنع الوعي مستقبل التنمية المستدامة؟

  • بقلم: حسن كرياط//

في عالم يتسارع فيه الإيقاع وتتعمق فيه الأزمات البيئية والاجتماعية والاقتصادية، لم يعد الإعلام مجرد وسيلة نقل للخبر، بل تحول إلى لاعب أساسي في توجيه المجتمعات نحو خيارات وجودية ترتبط بمستقبل الكوكب. لقد أضحت التنمية المستدامة قضية العصر، ومفتاح بقاء الأجيال القادمة، ما يضع الإعلام أمام مسؤولية ثقيلة، لكنها نبيلة، في بناء وعي جمعي يعزز من سلوكيات مسؤولة، ويدفع نحو سياسات تنموية متوازنة.

الإعلام، بكل أشكاله التقليدية والرقمية، صار حارساً يقظاً على القضايا البيئية والاجتماعية، ومرآة تعكس اختلالات السياسات العمومية، لا سيما حين يتعلق الأمر باستنزاف الموارد أو فساد بيئي يهدد الأمن الحيوي. من خلال تحقيقاته الميدانية، وتغطيته للفعاليات المناصرة للبيئة، وحملاته التوعوية، أسهم الإعلام في خلق رأي عام ضاغط بات يفرض على المؤسسات والسلطات اتخاذ خطوات ملموسة لحماية الإنسان والمجال.

لكن الدور لا يقتصر فقط على الرقابة أو نقل المعلومة، فوسائل الإعلام اليوم هي فاعل تنموي مباشر، قادرة على تحفيز المجتمعات نحو المبادرة والتغيير. ولعل التجارب الناجحة التي عبّأت من خلالها وسائل التواصل الاجتماعي الملايين في قضايا مثل التغير المناخي، وترشيد استهلاك الماء والطاقة، تكشف حجم التأثير الكامن في الرسالة الإعلامية حين تكون مدروسة وموجهة بإبداع وذكاء.

غير أن هذا الدور الطلائعي يصطدم بعوائق حقيقية. فضعف التكوين في مجال الإعلام التنموي، وغياب التخصصية في تناول ملفات التنمية المعقدة، يجعلان من التناول الإعلامي لهذه القضايا سطحياً في أحيان كثيرة. كما أن تغوّل بعض الأجندات السياسية والاقتصادية يفرغ الرسالة الإعلامية من مضمونها التنموي، حين تتحول المنابر إلى أدوات دعاية لا همّ لها سوى الربح أو الولاء.

أما الفجوة الرقمية، فهي إحدى أبرز المعضلات التي تُضعف من أثر الإعلام التنموي في بلدان الجنوب، حيث لا تصل الرسائل التحسيسية إلى الفئات الهشة والمعنية أكثر من غيرها بقضايا التنمية المستدامة. وفي هذا السياق، يظل الرهان الأكبر هو دمقرطة الوصول إلى المعرفة، وإنتاج محتوى محلي يعكس خصوصيات المجتمعات ويخاطبها بلغتها وهمومها.

لضمان فاعلية أكبر للإعلام في معركة الاستدامة، بات من الضروري وضع استراتيجيات وطنية تدعم تكوين إعلاميين متخصصين في قضايا البيئة والتنمية. كما أن إدماج هذه القضايا في مناهج كليات الإعلام والصحافة سيساهم في خلق جيل واعٍ بدوره التنموي. ولأن العصر عصر الرقمنة والذكاء الاصطناعي، فإن استغلال هذه الأدوات في إنتاج محتوى تفاعلي وجذاب حول الاستدامة قد يشكل نقطة تحول في علاقة الناس بهذه القضايا المصيرية.

الإعلام ليس فقط مرآةً لما يحدث، بل يمكن أن يكون محرّكاً للتغيير وبوصلة نحو مستقبل أكثر عدلاً وإنصافاً. وبين الحاجة إلى خطاب عقلاني يوازن بين متطلبات التنمية وحماية البيئة، وحلم مجتمعات أكثر وعياً ومسؤولية، يظل الإعلام، إن أُحسن توظيفه، أحد أقوى الأسلحة في معركة الإنسانية ضد الفناء البطيء.

          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى