الرأي

الإعلام المغربي و”مَشْكَلَةُ” الرأي العام!

  • الحسين أكناو

إن جودة الرأي العام مؤشر هام على وعي الشعوب ورقيها، كما أنها دليل حاسم على مدى تجذر الممارسة الديموقراطية فيها، أو على الأقل استعدادها لأي انتقال في هذا الاتجاه.

لا نقصد بمفهوم الرأي العام في هذا المحتوى، ذلك الحكم الجماعي الذي يجري قياسه عادة بأداة محدودة في الموضوع والزمان كاستطلاعات الرأي، بل نعني به تعبيرات وردود فعل تأخذ طابع الجماهيرية تجاه واقعة أو فكرة أو شخص، مسرحها في الغالب هو الفضاء العام.

لا شك أن الإعلام (نعتبر الصحافة جزء من الإعلام) بنوعيه التقليدي والجديد، مسؤول بنسبة كبيرة عن تشكيل الرأي العام وكذا عن توجيهه، وهو ما تشهد عليه أهم القضايا التي طبعت تاريخ العلاقة بين الإعلام والجمهور، كقضية النقيب دريفوس ( فرنسا 1894-1906)، وقضية ووترغيت (الولايات المتحدة الأمريكية 1972-1974)، وكذا بعض القضايا الوطنية كملف الزيوت المسمومة (1959)، و حملة إعداد أرضية مجتمعية لتقبل إصلاح مدونة الأسرة (2004).

ولعل من السذاجة المطالبة أو انتظار أداء إعلامي مغربي من طينة مقال الرأي “أنا أتهم” لإميل زولا، الذي قسم الرأي العام الفرنسي نهاية القرن التاسع عشر إلى دريفوسيين ومعارضين لدريفوس. أو من جنس تحقيق صحفيي الواشنطن بوست الذي أطاح بالرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون في فضيحة ووترغيت.

وذلك لمبررات مرتبطة بقيمة النخب المغربية من جهة، وبجودة الأداء الإعلامي ومقومات مناخه في بلادنا من جهة أخرى. غير أنه يشرع لنا طرح السؤال كالآتي: لماذا لا يتم استثمار هامش الحرية الذي تسمح به الممارسة الإعلامية في المغرب من أجل خلق رأي عام ناضج؟؟!

في الحقيقة، يعد من الجور جمع الصحافة مع الإعلام في خانة واحدة لما نتحدث عن مسؤولية تأطير الرأي العام عبر أداء وظائف الإخبار والتثقيف والترفيه وغيرها، لأن الصحافة بطبيعتها أكثر انضباطا لقانون الممارسة ولأخلاقياتها، بينما يسمح مفهوم الإعلام بتقاسم غير منضبط للمعلومة، يفرضه تعدد الحوامل وغياب التكوين، مما يفتح الباب لنشر إشاعات ومغالطات وبروباغندات مشوهة، تخلق رأيا عاما متخلفا، يتغذى من قابلية الجمهور على تقبل وتصديق كل ما ينسجم مع الإحساس العام بالتذمر.

ولا يمكننا بأي حال أن نُعول على المقاهي والصالونات الأدبية لتأطير الرأي العام كما بدأ قبل دمقرطته، لكن يحق لنا أن ننتقد تعليق شماعة الأداء الإعلامي الباهت على صعوبة الولوج إلى المعلومة، أو على القانون “المكبل” للممارسة الإعلامية، خاصة وأننا نلاحظ تهافتا إعلاميا متسارعا على القضايا الفارغة، مقابل إفراط واضح في الرقابة الذاتية لما يتعلق الأمر بالنقد والتحقيق، والتغطية والتعليق على القضايا الحقيقية البعيدة، حتى، عن الخطوط الحمراء.

ليس من مصلحة أحد أن يبني الناس آراء ومواقف سلبية أو قاصرة من قضايا تنموية و مصيرية كالتطبيع مع دولة إسرائيل، وتعديل القانون الجنائي، والانخراط في الممارسة السياسية، وتخليق الحياة العامة، والتعددية الثقافية، والحريات الفردية وغيرها، لأن الرأي العام غير الناضج يحمل وجه الخطورة في تأثيره على السياسات العامة، وعلى الصورة المصدَّرَة عن البلد إلى عالم ألغى مفهوم الحدود الجغرافية بما يقتضيه الارتباط الاقتصادي والثقافي بين دول العالم.

          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى