الرأيالمجتمع

“الأم: وطن الروح ومهبط النور الإنساني”..

  • بقلم: حسن كرياط//

في حضرة الأم، لا نقف أمام مجرد امرأة أنجبت، بل أمام كينونة تتجاوز المعنى البيولوجي إلى جوهر الوجود نفسه. الأم ليست فقط ذراعين يحتضنان، بل هي ذلك الحنان السرمدي الذي يغمرنا منذ اللحظة الأولى لوعينا بالحياة. إنها الحضن الأول، المدرسة الأولى، والمأوى الأبدي للروح القلقة في هذا العالم المتقلب.

الأم هي تلك الفلسفة الصامتة التي نقرأها دون كتب، هي كتاب لا يُمل تصفحه ولا يُغلق مهما تعاقبت الأيام والسنون. في دعائها تنزل علينا بركات السماء، وفي صبرها نعرف كيف يتجلى الجمال في العطاء. إنها الأرض الخصبة التي نغترف من عطائها دون أن تذبل، وهي النهر المتدفق الذي لا يجف مهما اشتدت جراح الحياة.

هي ليست فقط الحجاب الذي يحمينا من الحسد والمكر، بل هي النور الداخلي الذي يضيء طريقنا حين تنطفئ كل المصابيح. في لحظات الضياع، يكفينا أن نهمس باسمها لنشعر بالأمان. إنها الوطن الذي لا يخذل، والسماء التي لا تبخل، والجنة التي تقترب منا في الحياة قبل أن نرجوها في الآخرة.

الأم ليست فقط شخصاً نحبه، بل هي نحن في أنبل تجلياتنا. هي صورتنا الطفولية، ومرآتنا حين نكبر، وضميرنا حين نضل. في طغيان الكبر، حين ينسى الإنسان ضعفه الأول، تقف الأم كتذكير حاد بإنسانيته الأصلية.

كم من أناس خسروا قلوبهم يوم هجروها، وكم من أرواح ارتدت إنسانيتها حين عادت لتستظل بظلها. فلا تكن ممن جفّت قلوبهم وجعلوا مقام الأم مهملاً، فإن في الحياة عقاباً خفياً: أن تتذوق ألم الندم بعد فوات الأوان.

تذكر دوماً قول نبي الرحمة، محمد صلى الله عليه وسلم، حين سئل عن أحق الناس بحسن الصحبة، فأجاب ثلاثاً: “أمك، ثم أمك، ثم أمك.”

فهي ليست مجرد أنثى… إنها المعنى، والملاذ، والمطلق في عالم متناهٍ.

          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى