
الأمل: وطن الروح الذي لا يُهزم
- بقلم: حسن كرياط//
الأمل هو الجذوة التي لا تنطفئ في أعماق الروح، الوطن السرمدي الذي يحتضن الإنسان في مواجهة قسوة العالم. إنه الملاذ الأخير عندما تهوي أسوار الحماية وتتصدّع الأرض تحت أقدامنا، تلك القوة الخفية التي لا تُرى بالعين المجردة ولكنها تخترق أعماق الكينونة، فتثير في داخلنا ثورات صامتة، تغيّر ترتيب معادلات الحياة وتحول المستحيل إلى حقيقة ناصعة.
الأمل ليس مجرد فكرة عابرة أو شعور مؤقت، بل هو قوة دافعة تسكن خلف الستار، تمد الحياة بوقود لا ينضب. إنه التحول الذي يجعل الصحارى القاحلة واحات قابلة للحياة، ويمنح الجبال المستحيلة بُعدًا جديدًا، فتغدو أهدافًا يمكن الوصول إليها مهما بلغ ارتفاعها. الأمل هو الريح التي تدفع أشرعة الإنسان، تنقله من ضيق الواقع إلى رحابة الآفاق التي لم يكن يجرؤ على تخيلها.
وفي معركة الوجود الكبرى، يصبح الأمل أعظم الأسلحة. إنه السيف الخفي الذي يقطع به الإنسان قيود اليأس، والطاقة التي تنتشل الروح من ظلمات القنوط وتفتح أمامها أبواب النور. الأمل هو الشمس التي، رغم بعدها، تُلقي دفئها على قلوب من لا يزالون متمسكين بإرادة الحياة، فتضيء لهم طريقًا نحو الممكن في قلب المستحيل.
لكن الأمل، كأي قوة كونية عظيمة، لا يظهر دائمًا بوضوحه الكامل. أحيانًا يأتي عبر ألم الحرمان، وأحيانًا أخرى من خلال سخاء العطاء. إنه تلك القوة التي تُعيد تشكيل الفوضى وتصحّح المسارات، ليس بوصفه هروبًا من الواقع، بل تحديًا مباشرًا له، محاولة لإعادة تعريف حدود الممكن وسط كل ما يبدو محكومًا بالاستحالة.
الوطن الحقيقي إذًا ليس مجرد مكان الولادة، بل هو المساحة التي يحتفظ فيها الإنسان بجذوة الأمل. إنه ذلك الركن في القلب حيث تُرسم الاحتمالات العظيمة على صفحة الحياة البيضاء. إنه الموضع الذي يستعيد فيه الإنسان القدرة على الحلم، حتى عندما تشتد العواصف وتصبح السماء معتمة.
وفي غزة، نجد التجسيد الحي لهذه الفلسفة. غزة، التي تواجه الركام بالكبرياء، تثبت أن الأمل ليس رفاهية، بل ضرورة وجودية. أطفالها، الذين خرجوا من تحت الأنقاض يحملون رايات الحياة، أعادوا تعريف مفهوم الانتصار، متحدّين كل صناعة الخوف التي أتقنها العالم من حولهم.
الأمل، إذًا، هو المفتاح الذي يحرر الإنسان من سجن الخوف. إنه الحقيقة الخالدة التي تتحدى الظلم وتتفوق على الطغيان، النظام الذي يجب أن يُبنى عليه الكون، مهما حاولت قوى الظلام طمسه.

تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News