الثقافة

الأمازيغية بين ربيع الجسور وخريف الأسوار..

  • بقلم: عمر شانا //

في خضم النقاش المتجدد حول قضايا الهوية والاختلاف، والذي كان يمكن أن يكون فرصة لإغناء الساحة الفكرية والسياسية في بلادنا، طالعنا السيد محمد أوزين برسالته المفتوحة ردًا على الدكتور عبد الخالق كولاب الذي كان قد انتقد تدخله الأخير في خيمة مؤتمر حزب العدالة و التنمية دون الحديث أو التطرق إلى حزبه الذي .

الغريب أن رد السيد أوزين جاء حاملاً الهوية البصرية لحزب الحركة الشعبية، الذي يتولى أمانته العامة، مما قد يعطي آنطباعا أن الأمازيغية في مقاربة أوزين، ليست غاية، بل أداة ضمن الصراعات و الدسائس الحزبية السياسوية الضيقة.

وهو أمر مخيب للآمال، خصوصًا عندما يصدر عن رجل يحمل شهادة الدكتوراه في سوسيولوجيا اللغات. حيث كان من الأجدر بالدكتور أوزين، وهو المثقف الباحث، أن يدعو بصفته الأكاديمية إلى نقاش علمي مفتوح مع الدكتور كلاب، بدل ما قد ينظر إليه كاحتماء بصفته الحزبية وتحويل النقاش من فضاء الإغناء الأكاديمي إلى لعبة انتخابوية ضيقة تضر به و بحزبه، خصوصا أن التدخلات الحزبية في مسألة الهوية الأمازيغية لم تنتج إلا الفشل تلو الفشل؛ ويكفي أن نستحضر الحصيلة الهزيلة لمختلف الأحزاب، أغلبية ومعارضة في تنزيل القوانين التنظيمية للأمازيغية منذ دسترتها سنة 2011، (أكثر من أربعة عشر عامًا.)

إن الغريب في موقف محمد أوزين، ليس فقط تذبذبه الظاهر، بل سقوطه في مغالطات خطيرة في مؤتمر العدالة والتنمية ، عندما تحدث عن «الانتماء» بدل «المشترك». هذا منزلق مفاهيمي خطير، يسير عكس الإكتشافات العلمية الأركيولوجية الأخيرة، خصوصًا حين يصدر عمن يفترض فيه الوعي العلمي. الفرق شاسع بين الاعتزاز بالهوية المشتركة للمغاربة، وبين الانتماء لكيان حضاري بعينه.

وإن كان الانتماء للحضارة الإنسانية مقبولًا ومفهومًا، فإن الحديث عن «الانتماء للحضارة العربية» يعد اختزالًا مخلًا ومؤسفًا .كان بودي لو أنكم تذكرتم أن لا أحد في المشرق العربي سيزعم انتمائه لحضارة أمازيغية، كما تزعمون أنتم بانتمائكم إلى حضارة عربية، مما يتركنا نتساءل إن كان الحنين للشرق قد طغى على ما تبقى من حس نقدي علمي، بل ويستمر الدكتور أوزين في خلط الأوراق عبر خرجات تبريرية تزيد تأكيد أنه واع بزلته لكنه يرفض الإعتراف بها إذ أصبح يردد أنه تحدث عن “الإرتباط” (رغم آلتباس هذا المفهوم واقعيا)وينسى ربما أن في زمن الرقمنة والفيديو لازال موجودا و لن يمكن أن يوهم أحدا أنه لم يقل “الإنتماء” والفرق واضح كما أشرنا أعلاه.

كان على السيد أوزين أن يتذكر حكمة بسيطة: “محاولة إرضاء الجميع غاية لا تُدرك، فالوحيد الذي يرضي الأغلبية هو بائع المثلجات في عز الصيف”، لا المثقف المسؤول. كان الأجدر به أن يتبنى خطابًا واضحًا منسجمًا مع إرث المحجوبي أحرضان، الذي جعل وضوح الرؤية حول الأمازيغية علامة فارقة لمشروعه السياسي في زمن كان فقط التحدث عنها يكفل لك إقامة طويلة في السجون و إن لم يستطع فما كان عليه سوى ترديد شعار” الوحدة والعربية ضرورة حتمية” الذي كان لازمة طوال أشغال المؤتمر.

وما يزيد الطين بلة هو لجوء أوزين إلى أساليب تطرح أكثر من علامة آستفهام كعباراة “التفرقة”، وهي أسطوانة مشروخة يعلم السيد الدكتور قبل غيره أن لا أثر لها اليوم، لا في الدولة ولا داخل الأحزاب، بعد دستور 2011.

بل إن التقدم الفعلي يتحقق عبر الاعتراف بالتعدد، لا باتهام المختلفين بالدعوة إلى التفرقة ويمعن في تناقضه الصارخ حين يستغرب كيف يمكن مناقشته عن الهوية الأمازيغية بلغة عربية بل ويضيف أنه من الصعب أن يزايد عليه أحد (رغم أن لحدود الساعة هو من يزايد) لأنه أمازيغي أبا عن جد أو  ليست هذه هي العرقية وبث سموم التفرقة فمسألة الهوية الأمازيغية ليست عرقية بل و حتى أقصى اليمين في الحركة الأمازيغية يردد أن المسألة بكل بساطة متعلقة بالأرض وبهوية الإنسان الذي يعيش في هذه الأرض وليست مسألة أبا عن جد و كأن الغير الناطقين الذين يعيشون في الأرض الأمازيغية تم تحميلهم من تطبيقات ولا أم ولا أب لهم وبالتالي من هو المتعصب في جوابه و ليس في طرحه(لأن طرحه معروف و أبان عنه في خيمة البيجيدي ولازال يدافع عنه بدون آكتراث للضرر الذي يحدثه لنفسه أولا ولذاكرة حزبه ثانيا.)

إن استدعاء الإطار الحزبي للرد على نقاش فكري يُضعف الموقف بدل أن يقويه. ويؤكد أن الخلط بين الباحث والسياسي أفضى إلى مأزق لم يستطع أوزين الخروج منه إلا عبر المزيد من التبريرات المهزوزة، التي تسيء لمكانته كمثقف قبل أن تسيء لحزبه.

حيث كان الأولى بالدكتور أوزين أن يبادر إلى دعوة علنية للقاء مفتوح مع الدكتور كلاب في إطار أكاديمي راقٍ، أو ببساطة أن يعتذر عن هفوته آعتذار الكبار وهذا لن ينقص من مكانته ولا مكانة حزبه بالطبع بل سيعيد الأمور لنصابها و ويوضح ملابساتها، خصوصًا أنه كان في سياق ضيافة (و كأي أمازيغي أصيل تحرج في إبداء نقد لاذع لمستضيفه) على حزب يتبنى سرديات ما تزال تحلم بوحدة عربية لم تتحقق حتى داخل أوطانها الأصلية، ناهيك عن المغرب الذي اختار دستوريًا التنوع والوحدة في إطار الاختلاف، والأن الأمازيغية هي البحر الذي تنهل منه جميع الروافد ووبالتالي فهي مسؤولية الجميع بدون آستثناء.

في النهاية، نذكركم، وأنتم تدعون لصناعة التاريخ، أن التاريخ يُصنع بالقرارات الجريئة والمواقف الواضحة، لا بتوزيع الشعارات وتلوينها بشعارات حزبية. فالأمازيغية، دكتور أوزين، ليست معروضة للبيع في بازار التوافقات الحزبية، بل هي مشروع مجتمع عادل ومتنوع، نريده أن يزهر بألوانه الطبيعية، لا أن يُختزل في شعارات المؤتمرات. و بالتالي يجب أن نؤكد أن أسئلة الهوية الأمازيغية وأسئلة الاختلاف تجد غذاءها الطبيعي في النقاشات الثقافية والحقوقية الحرة، ضمن الإطارات الجمعوية التي ترفع توصياتها للمؤسسات السياسية، لا العكس.

وحتى لا تتحول الأمازيغية إلى مجرد أداة لتطييب الخواطر أو للصراع السياسي، بل تظل غاية نضالية تجمعنا جميعًا، وهذا بالضبط ما نناضل من أجله كجمعية انطلاقة ⵜⴰⵏⴽⵔⴰ بشراكة مع الجمعيات الثقافية والمبادرات التنويرية، التي تشتغل بعيدًا عن أضواء المصالح الضيقة، وتؤمن أن الأرض والإنسان الأمازيغي يناضلان، كما تناضل هذه الأرض نفسها حين غياب المطر،و نحمل داخلنا أمل ربيع تزهر فيه ألوان الهوية الأمازيغية من جديد.

          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى