الأسواق الأسبوعية بالمغرب.. فضاء تجاري ذو أبعاد اجتماعية وثقافية
(وكالة أنباء العالم العربي) – بقبّعتها المستديرة المزيّنة بخيوط صوفية سوداء، وبينما تلف حول خصرها منديلا أحمر اللون به خطوط رفيعة بيضاء وتضع دثارا على كتفيها، تتجول المغربية راضية فنيش في السوق التي اعتادت زيارتها كل يوم سبت في قرية تابعة لمنطقة سبت الزينات بضواحي مدينة طنجة شمال المغرب.
وقالت السيدة الريفية لوكالة أنباء العالم العربي (AWP) “المجيء إلى السوق بالنسبة لي متعة أكثر منه تبضّعا؛ فهنا ألتقي بصديقاتي من القرى المجاورة ونتجاذب أطراف الحديث… نُطْلع بعضنا البعض على آخر أخبار أهل القرى التي نعيش بها”.
لم تُخف السيدة البالغة من العمر 63 عاما شغفها بيوم السوق، تماما كالأطفال، مشيرة إلى أنها تبتاع بعض الأشياء البسيطة والخفيفة الوزن، بينما يتكفّل ابنها الأكبر بشراء ما هو أهم وأثقل.
وتقول “آتي للسوق لشراء بعض الأغراض الشخصية وكذلك الحلوى والهدايا لأحفادي؛ فلا أستطيع تبضُّع الخُضر واللحم والفواكه والطحين مثلا، هذه مهمة أتركها لابني، بينما أستغلّ الصباح كلّه في السوق للتجول والاستمتاع مع جاراتي”.
وإذا كانت سوق سبت الزينات الأسبوعية فرصة للمتعة ولقاء الصديقات بالنسبة لفنيش، فالأمر يختلف بالنسبة لبائع التوابل والبُقُول محمد العربي، الذي ينصب خيمته فجر كل يوم سبت في السوق، حيث يتنقل الرجل بين ضواحي مدينة طنجة وتطوان ويحطّ رحاله في كل يوم سوق.
المصدر: AWP – سيدة ريفية بالزي المحلي تشتري بعض الحلويات التقليدية من سوق (سبت الزينات) بضواحي مدينة طنجة المغربية. السبت، 3 فبراير شباط 2024
يقول العربي، الذي يعيش في مدينة تطوان، “تعودت التنقل بين الأسواق، ووجدت أنه أفضل من الاستقرار في سوق واحدة بشكل دائم؛ البيع بالأسواق الأسبوعية يُمكّنني من ربح وفير والحمد لله، حتى أني أصبحت أعرف ما يُباع في هذه السوق وما تحتاجه سوق أخرى”.
وأضاف الرجل في حديثه لوكالة أنباء العالم العربي “الأسواق الأسبوعية تمنحني فرصة اللقاء بزبائن مختلفين على مدى أسبوع كامل؛ أنا اليوم بسبت الزينات، غدا سأنتقل لسوق أحد الغربية، وبعده إلى سوق الاثنين بمنطقة ملوسة (ضواحي طنجة)”.
وتبدو سوق سبت الزينات عشوائية كغيرها من الأسواق الأسبوعية في شتى مدن المغرب، حيث بائع الحبوب والذرة والطحين بجانب بائع البقر، وبائع مواد التنظيف بمحاذاته بائع الخضر؛ وأغلب الباعة محالهم عبارة عن خيام متينة ولكنها رثّة من كثرة الاستعمال.
وسط هذه الضوضاء والعشوائية، تضم السوق خيمة كبيرة تنبعث منها أدخنة الشواء وتتراص داخلها أباريق الشاي بالنعناع المغربي التقليدي، حيث يتناول زوّار السوق وجبة الغداء.
* مركز للتفاعل الاجتماعي
تعتبر هذه الأسواق جزءا من التقاليد الثقافية والاجتماعية للمجتمع المغربي؛ كما تعكس التنوّع الثقافي والاقتصادي للبلد، حيث يُمكن العثور على طائفة واسعة من المنتجات المحلية والمستوردة.
وترتبط الأسواق الأسبوعية في المغرب بتاريخ طويل وثقافة متجذّرة، حيث تُعتبر هذه الأسواق جزءا لا يتجزأ من نمط حياة المواطن المغربي، ويعتمد الكثير من المغاربة على زيارتها لشراء السلع الضرورية والتفاعل الاجتماعي.
كما أن لهذه الأسواق أبعادا اجتماعية وثقافية مهمة، إذ تُعتبر مركزا للتفاعل الاجتماعي يجمع أُناسا من مختلف الطبقات والثقافات للتسوّق وتبادل الأحاديث والأخبار. كما أنها تجسد التراث، من خلال عرض السلع المحلية والحرف اليدوية التقليدية وتُشكّل أيضا فرصة للمزارعين والحرفيين المحليين لعرض منتجاتهم وتسويقها مباشرة للزبائن.
المصدر: AWP – الأدخنة تتصاعد من محال بيع الشواء في سوق (سبت الزينات) بضواحي مدينة طنجة المغربية. السبت، 3 فبراير شباط 2024
ويُفسّر ذلك الباحث في علم الاجتماع عبد الله بادو بقوله إن السوق الأسبوعية في المغرب “لا تقتصر فقط على المعاملات التجارية، بل تُعتبر فضاء اجتماعيا وثقافيا يُنظم بشكل دوري على مستوى منطقة معينة ويُنظّم بجميع مناطق المغرب دون استثناء”.
وأوضح بادو في حديث لوكالة أنباء العالم العربي وجود ترتيب بين المناطق والقبائل لإقامة هذه الأسواق بالتناوب وبشكل دوري، مضيفا “الأسواق الأسبوعية لها مكانة داخل النسيج الاجتماعي والثقافي للمواطنين، فهي مجال ثقافي يتفاعل فيه الأفراد والقبائل، حيث تتم فيه لقاءات على الهامش”.
وأشار إلى أن هذه الأسواق تُقدّم خدمات قد لا تتوفر في بعض المناطق النائية، كالحلاقة والحجامة وأحيانا حتى صناعة الأسنان، بالإضافة إلى فضاءات البيع والشراء.
وقال بادو “حتى أن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي المغربي (مؤسسة استشارية) وصف الأسواق الأسبوعية بالمغرب بمرفق عمومي للقرب، وبالتالي فهي أساسية على مستوى تحريك الدينامية التنموية المحلية”.
ويرجع سبب قيام الأسواق الأسبوعية في المغرب بوضوح إلى حاجة سكان القرى والمناطق الريفية البعيدة عن مركز المدينة لابتياع ما يفتقدونه في معيشتهم اليومية، فضلا عن بيع ما يُنتجونه من محاصيل زراعية أو منتجات صناعية بسيطة.
* ارتباط وجداني
وبحسب بادو، فإن الأسواق الأسبوعية بمثابة “مؤسسة عُرفيّة تُنظّم إيقاع الساكنة (السكان) وفق مقاربة تتماشى مع الخصوصية المحلية للساكنة المجاورة للسوق، وأيضا مجالا للترويج لبعض البضائع المحلية، خاصة حينما يكون هناك فائض إنتاج عند بعض الساكنة المحلية، فتكون السوق الأسبوعية بمثابة فرصة لعرض هذه البضائع”.
وقال إن “الخدمات المُقدّمة بالأسواق الأسبوعية مُمَأسسة بشكل دوري بجميع المناطق بالبلاد، بحيث أن الساكنة المحلية تكون مواظبة دائما على الحضور بالسوق وفي مواعيد محددة. وإلى جانب البيع والشراء، توفّر هذه الأسواق فرصا للشغل لأبناء المنطقة ولو بشكل مؤقت ودوري، خاصة من يزاولون بعض المهن والحرف المعنية”.
وأكد أنه على الرغم من التطور الحاصل في كل مناطق المغرب مع توسعة شبكات الطرق، والتي امتدت إلى أغلب المناطق، ووفرة وسائل النقل والمواد الغذائية وتوفر بعض الخدمات عن قرب لسكان القرى المجاورة للمدن الكبرى، فإن الأسواق الأسبوعية لا تزال تُقام في معظم المناطق وضواحي المدن الكبرى نظرا للارتباط الكبير للمواطن المغربي بهذه الأسواق.
المصدر: AWP – بعض النساء تشتري بعض لوازم التنظيف المنزلية من سوق (سبت الزينات) بضواحي مدينة طنجة المغربية. السبت، 3 فبراير شباط 2024
ويرى الباحث الاجتماعي أن الفضاءات الكبرى للتسوُّق لم تستطع التغلّب على وجود الأسواق الأسبوعية، “ذلك أن هذه الأسواق تكمن أهميتها في تعزيز الارتباط الترابي والوجداني والثقافي للمغربي… وقد لعبت هذه الأسواق دورا كبيرا في السابق، ولو أنه تقلّص في الآونة الأخيرة بحكم الانشغالات اليومية للمواطن وتوفُّر هذه الخدمات بشكل يومي عبر مؤسسات قريبة منه”.
وخلص إلى القول بأن “ارتباط الساكنة مع الأسواق الأسبوعية هو بمثابة ارتباط بتقليد له جذوره عبر التاريخ، بالرغم من أنه تم تحديث مجموعة من التجليّات والمظاهر في الحياة اليومية للمواطنين والتي تمكّنت نوعا ما من فك الارتباط بهذه الأسواق”.
والأسواق الأسبوعية في المغرب ملتقى اقتصادي لسكان المدن والريف حيث يجتمع فيها سكان الجبال والسهول في إطار نشاط للتبادل التجاري. ففي مدينة صفرو مثلا قرب مدينة فاس، تُقام سوق أسبوعية يوم الخميس، يفد إليها سكان القرى الأمازيغية المجاورة للتبضع والبيع والشراء والتجول أيضا.
وفي مدينة مكناس، غير بعيد عن العاصمة العلمية فاس، هناك سوق تُقام كل يوم اثنين يقصدها سكان القرى المجاورة وتكون مناسبة سانحة لبيع أغنامهم ومنتجاتهم الفلاحية والتقليدية.
وتضرب الأسواق الأسبوعية في المغرب بجذورها في تاريخ البلاد، حيث بدأت كوسيلة لتبادل السلع والمواد الغذائية بين السكان المحليين. وكانت تُقام أصلا في الأماكن العامة كالساحات، ثم توسّعت لتشمل الشوارع والأحياء.
تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News