الرأيالمجتمع

اضراب الاساتذة، بين عدالة القضية وحق ابنائنا في التعليم

  • بقلم عبد السلام رجواني //

هناك حقائق ترقى إلى مستوى المسلمات، وهناك حقائق بحاجة إلى توضيح، وبين الأولى والثانية تضيع حقائق اخرى.

١)الحقائق المسلمات:

– قطاع التربية والتكوين قطاع استراتيجي، في صلاحه صلاح المجتمع، وفي خرابه خراب الامة. هو رافعة التنمية ومكون الاجيال ومنتج المعرفة وخريج النخب؛

– نظامنا التعليمي يعاني من علل بنيوية جراء سياسات تعليمية دامت لعقود، اهتمت بالكم دون نجاح على حساب الكيف، فلم يزدد هذا النظام الا تدهورا،

– المدرسون (ات) هم عماد التربية والتعليم ولن يكونوا عمادا قويا ان لم يتملكوا رسالة المعلم/الرسول، ومعرفة المدرس العارف، ومهارات الاستاذ المبدع.. وهي مواصفات ما فتئت تتراجع بين اسرة التعليم والتربية،لا لعيب متاصل فيها، وإنما بسبب فشل سياسة تكوين الاطر التربوية في العقود الاخيرة واللجوء إلى التعاقد مع كثير ممن لجأوا قسرا لمهنة ربما لا يحبونها،

– مهنة التعليم مثل غيرها من المهن حقوق وواجبات لا بد أن يحكمها توازن عادل متوافق عليه، يراعي ليس فقط شروط المهنة وغاياتها وإنما يراعي ايضا أوضاع البلد واكراهات الواقع،

– أوضاع اسرة التعليم، خاصة الجدد من اعضائها صعبة للغاية في ظل تفاقم تكاليف العيش بسبب تجميد الاجور وزيادة الأسعار. فمن المؤكد ان ما يتقاضاه الاستاذ الجديد لن يحقق له الشروط الدنيا لحياة كريمة: اسرة نووية، بيت للسكن، سيارة صغيرة. والحقيقة ان المدرس اليوم يصنف ضمن الفئات الفقيرة او المهددة بالفقر. وفي ذلك حط من كرامته وقتل لطموحه واخماد لجذوة العمل في نفسه.

٢) حقائق تحتاج إلى توضيح

– هناك حاجة إلى قانون اساسي جديد يتلاءم وقانون الإطار الذي صادق عليه البرلمان بالاجماع، لكن من خلال حوار وطني شامل.

– الإضراب حق مشروع لكنه ليس في المطلق، فهناك مصلحة وطنية تقتضي الا يكون الإضراب هدفا في ذاته بل يجب أن يكون جسرا نحو الحوار كآلية ديموقراطية لفض النزاع بين حكومة من مسؤوليتها ضمان عودة أبناء المغرب للمدرسة، واساتذة من واجبهم استحضار مصلحة أبناء المغاربة ومصلحة الوطن. على الطرفين معا العمل على تيسير الحوار، ولا معنى أن يركن كل طرف إلى منطق العراك الذي يجب أن ينتهي بالاطاحة بالخصم كما لو كانا متصارعين فوق الحلبة يسعى كل منهما أن يسقط الآخر بالضربة القاضية حتى ينال الميدالية الذهبية.

– لا يستقيم الحوار الهادف والمجدي الا ببن طرفين او أطراف يتوفر فيهما شرطان: شرعية قانونية وتمثيلية فعلية. واذا كانت اللجنة الثلاثية تمثل حكومة افرزها تحالف الاغلبية داخل المؤسسة التشريعية، بغض النظر عن الموقف السياسي لأي مواطن من هذه الحكومة، فإن مشروعية الطرف الآخر في الحوار، اي الآساتذة، تضعنا أمام اشكالية قانونية حقيقية؛ ذلك أن النقابات الأكثر تمثيلية هي المؤهلة دستوريا وقانونيا لتمثيل رجال التعليم ونسائه. غير ان هؤلاء، نساء ورجالا، سحبوا عمليا ثقتهم عن صواب او عن خطأ في هذه النقابات وانشأوا تنسيقيات لا محل لها في القانون المغربي، وبالتالي يصعب على الحكومة أن تحاور تمثيليات لا يؤطرها قانون. وفي هذه الحالة يمكن للمجلس الأعلى للتربية والتكوين أن يلعب دور الوساطة، كما يمكن لمجلس النواب أن يكون لجنة من الاغلبية والمعارضة للقيام بنفس الدور.

٣) حقائق ضائعة

– ان السياسة التعليمية جزؤ لا يتجزأ من سياسة عامة تعكس اختيارات الاغلبية الحكومية. وما دامت اختيارات الحكومة الحالية لا شعبية فمن الطبيعي ان تكون سياستها في مجال التربية والتكوين في نفس الاتجاه. ولا يمكن نهج سياسة تعليمية تلبي طموحات التلميذ والأستاذ وعموم الشعب الا في ظل حكومة ذات توجه اجتماعي نابع من اختيارات سياسية مضادة للحكومة الحالية التي تمثل الراسمالية المتوحشة بكل اصنافها.

– من المؤسف ان كثيرا من المواطنين (نات) لا يربطوا بين الانتخابات التي تفرز الحكومة وبين القرارات الحكومية المحددة لشروط حياتنا الاقتصادية والاجتماعية، ويتعاملون مع السياسة بكثير من السلبية والعدمية، بل من المواطنين والمواطنات الساخطين على الوضع من صوت لهذه الاحزاب التي يشتكون اليوم من قراراتها اللاشعبية.

ختاما ودون إطالة، المغاربة الآن يعيشون حالة صعبة عنوانها هذا الضياع الذي يعيشه أطفال المغرب وشبابه الذين وجدوا أنفسهم ضحايا تعنت لا معنى له بين حكومة كشفت عن عجزها في معالجة ملف التعليم واساتذة تمردوا على نقابات لم يبق منها سوى هياكل تسكنها قيادات خالدة ومعزولة، وابدعت تنسيقيات تقود معارك يشتم من بعض شعاراتها رائحة” يسار” فوضوي وحركة دعوية، يحلو لهما الاصطياد في الماء العكر.

لم يبق للآباء والأمهات والأبناء من امل في تجاوز هذا المأزق الا تحكيم ملكي يعيد الثقة للمدرسين والمدرسات، لعل المياه تعود لمجاريها ويعود ابناؤنا وبناتنا ورجال التعليم ونسائه إلى حيث يجب أن يكونوا، بعزيمة وإصرار على انقاد سنة دراسية لا تقدر بثمن.

          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى