ادريس الكنبوري والأمازيغية : نقاش خارج السياق
- الحسين بويعقوبي //
نشر الأستاذ ادريس الكنبوري على صفحته الرسمية محاضرة وسمها ب”التطرف الأمازيغي والخراب القادم”، دون أن يشرح للمستمع سياق محاضرته وأسبابها، ولا دواعي طرح الموضوع في هذا الوقت بالذات. خاصة وأن المحاضرة تبدو للعارف بهذا النقاش خارجة عن السياق العام للأمازيغية في المغرب (وشمال إفريقيا عموما)، بعد ما حققته من مكاسب، في بداية القرن الواحد والعشرين بعد الخطب الملكية في الموضوع منذ 2001 ثم الاعتراف الدستوري بالأمازيغية لغة رسمية في دستور 2011 وبداية تفعيل مقتضيات هذا الوضع الجديد بعد المصادقة على قانونها التنظيمي سنة 2019. ولذلك يظهر الأستاذ الكنبوري في طريقة طرحه ومناقشته للموضوع وحتى في القضايا المناقشة، وكأنه خرج من لقاء خاص استفزه فيه شخص ما بخصوص الأمازيغية، ودون وعي منه خرج مهرولا ليخصص له “محاضرة” على صفته الرسمية، وجعلها نقاشا عاما، دون اطلاع ولا معرفة بالتطورات الحاصلة.
وهذا ما يفسر عدم تناسق أفكار الأستاذ وغياب الموضوع بدقة مما جعله يغرق في العموميات وفي إلصاق التهم يمنة ويسرة دون أن يشير ولو مرة واحدة لكتاب معين لتعزيز اتهاماته، أو تصريح لشخصية معروفة لتبرير موقفه. بل إن الأستاذ الكنبوري، وهو الباحث، يصر على استعمال كلمة البربر ضدا على الخطب الملكية التي حسمت الموضوع ورسّمت تسمية الأمازيغية في اسم “المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية” وفي دستور المملكة الذي استعمل سواء في ديباجته أو في الفصل الخامس تسمية الأمازيغية، وأيضا ضدا على كل تطورات الخطاب العلمي الأكاديمي في الموضوع نتج عنه تأسيس شعب وماسترات للدراسات الأمازيغية في الجامعات المغربية منذ 2006.
إن كل ردّ على مضمون مداخلة الأستاذ الكنبوري هو في الحقيقة عودة بالنقاش للسنوات الأولى لظهور المطالب الأمازيغية، وإعادة طرح نفس الأسئلة القديمة والقضايا المحسومة منذ مدة كالأمازيغ والإسلام، الذي يكفي للأستاذ الكنبوري ليوسع معارفه في الموضوع الاطلاع على كتاب المرحوم الأستاذ عبد السلام ياسين “حوار مع صديق أمازيغي”، أو كتاب الأستاذ محمد شفيق بالفرنسية ” ماذا يقول المؤذن؟”، وأيضا كتاب للمرحوم الأستاذ علي صدقي أزايكو بعنوان “الأمازيغ والإسلام”، ثم كتاب الأستاذ أحمد عصيد حول “الأمازيغية والإسلام السياسي”.
ومن شأن الاطلاع على هذه الإصدارات مناقشة أفكار الحركة الأمازيغية بناء على آراء ومواقف بعض روادها. أقول البعض لأنه لا يمكن علميا ومنهجيا جمع كل أراء الفاعلين في الأمازيغية في سلة واحدة وتحت تسمية “دعاة الأمازيغية” التي يصر الأستاذ الكنبوري على استعمالها بدون دليل. أما موضوع الأعراف والنقاش الذي أثارته الحركة الأمازيغية فيمكن للأستاذ الكنبوري أن يكلف نفسه عناء قراءة، ولو من باب الاستئناس، بحث المرحوم الأستاذ محمد العثماني”ألواح جزولة”، ثم كتابات المرحوم الأستاذ الحسين الملكي، وأيضا كتاب الأستاذ أحمد أرحموش بعنوان “قيم العدالة في القوانين الوضعية الأمازيغية”، وكلها دراسات بينت الإسهام الفكري الهام للأمازيغ في مجال التشريع وصياغة القوانين، وهو إسهام يمكن أن يُستمد منه اليوم ما يتماشى وواقعنا واكراهات عصرنا كما حصل في مدونة الأسرة ل2004 التي استوحت أحد نصوصها بخصوص اقتسام الأموال المكتسبة من عرف “تامازّالت” المعروف بالكدّ والسعاية…
أما علاقة الأمازيغ بالعربية واعتبار إتقانهم للعربية دليل على أنهم عرب بناء على “من تكلم العربية فهو عربي” فهذا لا يليق أن يصدر عن أستاذ باحث، له حس علمي ونقدي. فلو كان الأمر كذلك لكان كل من تكلم الفرنسية فرنسي، وكل من تكلم الانجليزية انجليزي. وبدل أن يستدل بأحاديث أخرى مثل “لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى” أو قولة علي بن أبي طالب “تعلموا الألسن فان كل لسان بإنسان” أو الآية القرآنية في سورة الروم “ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم”، وهي كلها نصوص دينية ذات مضمون إنساني يحترم التعدد اللغوي والتنوع الثقافي، فضّل الأستاذ الكنبوري تقديم الإسلام وكأنه دين يسعى لتعريب الشعوب والقضاء على لغاتهم، والإسلام من هذا براء، وهذا في حد ذاته نوع من أنواع التطرف العرقي-اللغوي المغلف بالدين.
أما حديثه عن تاريخ الصراعات “العرقية” و”الاثنية”، فكلامه صحيح، لكن يجب أن يضيف إليه أيضا “الصراعات الدينية”، وكيف يسهم الدين في تأجيج الصراع، والأمثلة على ذلك كثيرة، قديما وحديثا. كما يمكن أن يضيف الصراعات بين الدول وكيف يمكن لشعار”الدفاع عن الوطن” أن يؤدي لحروب تُزهق فيها الدماء. فحين تتعارض المصالح ويغيب الحوار وقبول الآخر تتوفر ظروف وأسباب الصراع، ولا يهم آنذاك على أي أساس ظهر هذا الصراع.
إن تلويح الأستاذ الكنبوري بخطر الصراع واختزاله في “القوميات” دون ذكر القومية العربية، ولدور الدين في ذلك، في تلميح للنقاش حول الأمازيغية، أسلوب غير سوي وينم عن سوء نية في تعاطيه مع نقاش الأمازيغية في المغرب. وإذا كان “التطرف” الذي تحدث عنه الأستاذ مرفوضا، فيجب أن يرفض على جميع الأصعدة وتحت أي مظلة كان. آنذاك يمكن أن يفهم الأستاذ الكنبوري أن اللذين طرحوا موضوع الأمازيغية مند الستينيات من القرن الماضي كان دافعهم هو رفض أنواع من التطرف كانت سائدة آنذاك وكان من ضحاياها مواطنون مغاربة بسبب لغتهم الأمازيغية، فكانت نتيجته إقصاؤهم، بشكل أو بآخر، إن ماديا أو معنويا.
ولذلك فطرح المطالب الأمازيغية والاستجابة لها اليوم هو امتصاص للشروط المؤدية للتطرف من أي نوع كان، وهو أيضا تعزيز للهوية الوطنية بكل مكوناتها، كما ينصّ على ذلك دستور 2011. وهو أيضا خطوة في اتجاه تحقيق دولة الحق والقانون، وبناء المجتمع الديمقراطي الحداثي كما أشار لذلك ملك البلاد.
هذا ما كان على الأستاذ الكنبوري أن يطرحه في مداخلته ليسهم ايجابيا في النقاش الحالي حول تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وهو المستوى الذي وصله المغرب بكثير من النضج والتعقل، بدل رفع فزّاعات لا توجد إلاّ في مخيلته، واختراع قصص لا تستند على أي أساس. أما الحديث بشكل غير علمي عن غياب الأتباع لدى دعاة الأمازيغية فهو خطاب لا يبحث عن شرعية وعدالة المطالب الأمازيغية، لكنه لا يؤمن إلا بوجود أتباع في شكل قطيع يتم تهييجهم بخطاب لا عقلاني لتحقيق مآرب أخرى، ولو لم تكن مشروعة، ومن هنا يولد التطرف والخطر القادمين. فهل تعقلون… !
تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News