احتضار المدرسة المغربية : الجزء الثالث
- بقلم: المكي بوسراو //
باختصار، فالمدرسة عندنا لا تكون شخصيات خلاقة ومبتكرة بل هي تصنع كائنات تحفظ وتخزن لكي تعيد البضاعة إلى أصحابها كما تلقتها بدون زيادة أو نقصان، أي بصيغة أخرى تلاميذ بمقدورهم اجتياز الامتحان والحصول على النقط والانتقال من مستوى دراسي إلى آخر. وكأنها “كائنات خلقت لتمتحن”، همها الأساسي -والذي تساهم الأسرة في ترسيخه- هو النجاح والحصول على الشهادة وكأن الشهادة هي الشخص والميزة هي العلامة الدالة على نجاحه وتفوقه. وهكذا صار التلاميذ في المدرسة المغربية وكأنهم في غابة شعارها “البقاء للأقوى”، إذ القوي يجتاز بكل الوسائل امتحان “الانتخاب المدرسي” على غرار الانتخاب الطبيعي الذي تحدث عنه داروين في نظريته حول التطور. وهذا الهاجس هو الذي يحرك التلاميذ وكذا الأمهات والآباء، لأن المطلوب منهم هو ضمان البقاء والصراع من أجل التكيف والتأقلم الانتهازي مع الوضعيات التي يفرضها قانون “الاصطفاء المدرسي”، و”الأصلح” هو الذي يكتب له الفوز في هذا الصراع الشرس الذي يحول المتعلمين إلى “حيوانات مفترسة ” أو “آلات غريزية” مبرمجة .
صحيح أن هناك من لا تنطبق عليه هذه المواصفات، صحيح أيضا أن المدرسة تساهم في تكوين شخصية الفرد، لكن هذا ليس إلا استثناء لا يكذب القاعدة. فالقاعدة هي ما تم توصيفه سابقا، أما الاستثناء فهو ما ينفلت من سلطة القاعدة ولا تنطبق عليه قوانينها. وهذا الاستثناء هو الذي لامسته عند عينة محدودة من التلاميذ، ولدى بعض الأقسام المتميزة مثل شعبة العلوم الرياضية، حيث لا حظت، من خلال تجربتي، أن تلامذتها ينتقدون النموذج المدرسي السائد ويرفضونه لأنهم لا يشعرون بالرضى والارتياح ما دام أن النظام التعليمي يعلب عقولهم ويتعامل معهم كمستهلكين سلبيين ولا ينمي لديهم الثقة في النفس والقدرة على النقد والإبداع. وحين تتاح لهم فرصة التعبير عن أفكارهم و قناعاتهم فإنهم لا يتوانون عن نقد المنهاج الدراسي المعتمد، وهو ما كان يحصل في حصصي التي كنت أسمح فيها بمناقشة بعض القضايا التي تشغل بالهم وتستفزهم، حيث كان هؤلاء التلاميذ يشتكون دوما من ضغط المقررات ومن الطرق العتيقة في التدريس ومن غياب مساحات الإبداع و حرية التعبير. وهم في الغالب مولعون بالقراءة، خارج السياق المدرسي، ومطلعون على الكثير من المعارف ويمتلكون قدرات ومؤهلات نقدية تفوق زملاءهم الآخرين، الشيء الذي يشعرهم بأن المدرسة تضيق عليهم الخناق وتقزم شخصيتهم وتصدهم عن طموحاتهم وأحلامهم الشاسعة.
هي ذي الخلاصة التي كان يؤكدها هؤلاء التلاميذ. وهي الخلاصة التي أعتبرها منطقية ومقنعة وواقعية، ولذلك كنت كثيرا ما أشجعهم على المضي في الطريق من خلال تنمية كفاءاتهم بالتعويل على مجهودهم الذاتي وعلى القراءات الذكية، مع ضرورة الانفتاح على الآخرين والاستفادة من تجاربهم، وكذا الثقة في النفس ومحاربة الخوف والتزمت والدوغمائية بكل تلاوينها. وهذه العينة من التلاميذ تستحق كل أشكال التشجيع و التقدير، لأنها بمثابة النخبة المتنورة والتي لا يمكن للمرء إلا أن يكون فخورا بها. وهي فعلا كانت مصدر فخر واعتزاز بالنسبة لي خلال مساري المهني.
إن مهمة المدرسة، كما هو الحال عندنا اليوم، هي تعليب العقول وتنميط السلوك وتوحيد الإجابات في أفق صناعة آلات قابلة للاشتغال حسب ما يقتضيه سوق العمل، ومبرمجة للانخراط في منطق المنافسة الشرسة الذي يحدده النموذج الاقتصادي السائد، والذي يبحث دوما عن أنماط معينة من التعلمات والمهارات والكفايات، أي باختصار عن “بروفايلات” بعينها. فالمدرسة، في نهاية المطاف، لا يهمها الشخص كعواطف وأفكار وقناعات ورغبات، بل الأهم هو صناعة منتوج منمذج ونمطي يساير منطق السوق ويعزز صفوف الطبقة الوسطى التي تشكل صمام الأمان الجديد لكل الأنظمة السياسية والاقتصادية. أليست المدرسة أداة في خدمة استراتيجيات ذات طابع سياسي؟ ألا تخضع السياسة التعليمية لسياسة عامة للدولة؟ أليست المدرسة أداة طيعة في خدمة المصالح الاقتصادية والتوجيهات السياسية البعيدة المدى؟
“. يتبع
- المكي بوسراو
أستاذ الفلسفة بالثانوي سابقا
تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News
2122698016497 السلام عليكم هاد الرقم عم يتعرض للنساء وطلب مصاري اسمو Abdelhadi erguig