اتقوا الله في الماء يا زبائن الحمامات
رغم أني من عشاق الحمام المغربي، ورغم أن جسدي تستهويه السخونة التي توفرها القاعة الثالثة من الحمام، إلا أنني لا أرتاده إلا نادرا بسبب بعض ممارسات الزبائن التي لا أقبلها. يوم السبت الماضي قلتُ مع نفسي ما دامت السلطات المحلية قررت التصريح بفتح الحمامات 4 أيام فقط في الأسبوع في إطار أزمة الماء التي تمر منها بلادنا، وهي الأزمة التي من المفروض أن يكون كل مواطن واع بها ومستوعب لخطورتها، سأذهب باكرا إلى الحمام وأنا متيقن أن تكون شروط “التَّحْمِيمَة” جيدة ومقبولة.
قبل سرد قصتي مع هذه “التحميمة”، لا بد أن أنوه بالمجهود الذي بذله ويبذله أصحاب الحمامات في تطوير شروط النظافة وإعادة تأهيل البنايات وفق تصميم يستجيب لعاداتنا في الحمام، من ضبطٍ لمنحدر “القرقارة” تجنبا لإيذاء الآخرين بالمياه المتسخة، وصيانة دورية للصنابير وتوفير “السطولا” التي يعكس بياضها نظافتها بدل دلو أسود لا نعرف ما يُخبئه تحت سواده ولا ما يسكن في قعره. هذا بالإضافة إلى توفير القمامات لرمي الأزبال، وتعيين شخص يقوم بمسح الأرض بصفة دورية ليبدو الحمام وكأنه فُتح في ساعته الأولى، وهي الساعة التي لا يعرف قيمتها في النظافة إلا عشاق الحمام المغربي. ناهيك عن حسن المعاملة وتنظيم عمل “الكَسَّالَة” للرفع من منسوب راحة الزبون الراغب في “تَحَمْحِيمَة” مغربية أصيلة. أتحدث هنا عن الحمامات الشعبية في الأحياء والأزقة والدروب، وليس عن حمامات عيلة القوم الغالية الثمن والتي تستعمل مواد مستوردة من الصين والهند بدل “الغاسول” و”الصابون البلدي” و”تكسيلة الكسال لي كاترطق العظام” التي ثبُت نجاعتها وقيمتها الصحية. وأدعو أصحاب الحمامات العمل على صيانة هذه المنجزات وتطويرها.
أعود إلى “تحمحيمة” السبت الماضي. فبينما كنتُ مُستلقٍ على ظهري، والكسال يستخرج الخلايا الميتة من جلدي، شعُرت برشة كبيرة من الماء تعم كل ما حولي وكأنني بجانب شلال عين أسردون، أما شلال إيموزار فالله يرحمنا بالتساقطات المطرية. نظرتُ حولي، فوجدت رجلا “بْعَقْلُو” واقفا وسطلا من الماء يحمله بيديه فوق رأسه. هنا…. تعطَّلتْ كل قواي العقلية وتوقف دماغي عن التفكير وبدأت كل جوارحي ترتعش… كل هذا الذي تمر منه بلادنا من أزمة ماء غير مسبوقة في التاريخ، كل هذه الحملة الإعلامية للتوعية من أجل المحافظة على الماء، كل هذه الإجراءات التي قلصت أيام فتح الحمامات، كل…وكل… وكل هذا، وما زال بيننا أقوام يتعاملون مع الماء بهذه الطريقة. امتلكتُ أعصابي وتحدثت بصوت مرتفع مع جاري في الحمام صاحب السطل العجيب، ونبهته أن كل أوساخه على الأرض نقلها إلى جسمي وإلى الكسال عبر تلك الرشة البليدة. شرحتُ له أن حمل السطل وكسب الماء مرة واحدة على الجسم لا يحمل أي إيجابية في الغسل بل له ثلاثة مساوئ: أولا هدر الماء والنبي عليه أفضل الصلوات والتسليم أوصانا بالحفاظ على الماء وكان عليه السلام يكتفي في غسله بنصف إيناء من الماء. ثانيا إيذاء كل جيرانه في الحمام بالأوساخ المتراكمة على الأرض، وديننا الحنيف أوصى بالجار حتى كاد يورثه. وثالثا سكب الماء بتلك الطريقة لا يحقق الغُسل المطلوب، علما أن رسول الهداية والإنسانية عَلَّمنا كيفية الاغتسال بسكب القدر اليسير من الماء وإتباعه بمسح اليدين. لكن صاحبنا “آش خسر عليا”…رفع يده في إشارة منه تقول “سمح ليا” وهي إشارة تفيد أنه سيقوم بنفس الشيء في “التحمحيمة المقبلة”.
الكَسَّال الذي قام بإزالة الخلايا الميتة من جلد جسدي جزاه الله عني خير الجزاء، هو كذلك “بخبيزتو”. طلبتُ منه ملئ السطلين (في الحمام كل زبون له الحق في سطلين فقط وأنا أدعو المشرفين على الحمامات التطبيق الصارم لهذا الإجراء مع الحرص على سحب الأسطل الفارغة داخل الحمام لكي لا يستعملها المبذرون. وإن كان من واجب كل زبون إرجاع السطلين إلى صاحبها بعد الانتهاء منها). من عادتي أتكلف بملء السطلين بنفسي، لكني شعرتُ بنوع من “السخفة” فكلفتُه بهذه المهمة. على كل حال…ملأ الكَسَّال السطل الأول ووجد بأنه ساخن أكثر من اللزوم، فما كان به إلا أن قام بإدخال يده حتى المرفق داخل السطل، وبدأ في رمي الماء فوق الأرض تاركا المجال للماء البارد تلطيف تلك الحرارة. أتاني الكسال بالسطلين وسألته: “هل تتعَرَّق في الحمام كباقي البشر؟” أجابني أن أكثر شخص يتعرق في الحمام هو الكَسَّال. فقلت له إذا هذا السطل الذي أدخلتَ يدك فيه إلى المرفق اختلط فيه الماء بعرق جسدِك. نبهته إلى هذا الأمر وإلى الاهتمام بالحفاظ على الماء ليس فقط في خضم أزمة الماء التي تمر منها بلادنا، بل لأن الحفاظ عليه جزء من الدين. تقبَّل الكسال بكل أريحية ملاحظاتي، وهو ما يدفعني إلى دعوة أصحاب الحمامات بتأطير الكَسَّالَة الذين يشتغلون في حماماتهم من ناحيتين: المحافظة على الماء لإعطاء المثال للزبائن المبذرين، وتطوير كيفية اشتغالهم للمزيد من المهنية.
في الختام أقول، لو اتبعنا طريقة نبينا الكريم في الغسل والاغتسال والتعامل مع الماء، لما احتجنا لا إلى حملة تحسيسية ولا إلى برامج إعلامية في مواجهة أزمة الماء. لو تحدث فقيه “المسح على التقاسير” على هذا الموضوع وأثار من خلاله تلك الضجة التي صاحبت “الجوارب والتقاشير والخفاف” لرفعنا له قبعة الاحترام، ولساهم في الرقي بالعباد، وجعلهم أقرب إلى دينهم بِتَمَثُّلِ أخلاق رسول الهدى الذي قالت عنه عائشة رضي الله عنها “كان خُلُقُه القرآن”. وأخيرا لو فعل ذلك فقيه “المسح على التقاشير” لساهم في تنمية وطنه لتوفير العيش الكريم لعباد الرحمان ولكان أقرب لسنن الملك الديان.
- سعيد الغماز
تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News