
.إيران تحت المجهر بعد الضربات الإسرائيلية: نمر كرتوني أم ضلع في سيناريو دولي؟
- بقلم: حسن كرياط //
في واحدة من أخطر التطورات العسكرية في المنطقة خلال السنوات الأخيرة، شنت إسرائيل ضربة مباغتة استهدفت منشآت نووية وقواعد للحرس الثوري في العمق الإيراني، في عملية عكست مدى هشاشة الدفاعات الجوية الإيرانية رغم كل ما يُروَّج عن تطورها.
لم تُسجّل أي ردود فعل فعالة خلال الساعات الأولى، إذ عبرت الطائرات المسيّرة الإسرائيلية إلى أهدافها دون اعتراض يُذكر، ما دفع بعض المراقبين إلى وصف المشهد بأنه “حفلة استخباراتية إسرائيلية في سماء طهران”.
هذا الفشل الذريع في التصدي للهجوم دفع حتى وسائل الإعلام الإيرانية إلى الإقرار بوجود خلل بنيوي في المنظومة الدفاعية، وسط اتهامات بالفساد داخل صفقات التسلح وتنديدات برلمانية كشفت زيف صورة “النمر الحديدي” التي سعت إيران إلى ترسيخها.
لكن المسألة تتجاوز بكثير الفشل التقني. فالهجوم الأخير جاء في سياق سلسلة من الاختراقات الأمنية السابقة، من اغتيالات علماء نوويين إلى تسريبات من داخل دوائر القرار العسكري، ما يدفع إلى طرح تساؤلات أكثر خطورة: هل تعاني إيران من اختراق استخباراتي عميق يُشل قدرتها على الرد؟ وهل هناك تواطؤ داخلي يسهم في تعطيل آليات الردع العسكري، سواء بدافع الانقسام أو لحسابات أكبر مما يظهر في العلن؟
في هذا السياق، يطرح بعض المراقبين فرضية أن ما يحدث قد لا يكون سوى حلقة ضمن سيناريو جيوسياسي مرسوم بعناية، تتوزع فيه الأدوار بين إيران كـ”عدو مفيد”، وإسرائيل كـ”شرطي حامٍ”، ودول الخليج كـ”زبون قلق” مضطر إلى تمويل صفقات التسلح الغربية بمليارات الدولارات. ومع كل توتر جديد، ترتفع فاتورة السلاح الموجهة من واشنطن وتل أبيب ولندن إلى العواصم الخليجية، في دورة استنزاف دائمة تُغذّيها التهديدات المتبادلة وتُبقي المنطقة في حالة توتر مزمن.
ورغم فداحة الضربة، فإن إيران لم تصدر حتى الآن أي رد نوعي بحجم الحدث، وهو ما يفتح الباب أمام عدة تفسيرات. فهل تتريث طهران تمهيدًا لضربة مدروسة؟ أم أنها تدرك محدودية قدرتها على الرد دون التورط في حرب شاملة لا تملك أدوات إدارتها؟ أم أن ما جرى – بكل بساطة – يدخل ضمن لعبة أكبر تتجاوز المواجهة المباشرة إلى ترتيبات دولية تُدار خلف الكواليس؟
اليوم، تجد إيران نفسها أمام مأزق واضح: بين خطابها الثوري الذي يدّعي الصلابة والممانعة، وواقع دفاعي متآكل لم يصمد أمام اختبار حقيقي. الضربة الأخيرة وضعت النظام الإيراني أمام مرآة مؤلمة كشفت هشاشته العسكرية والسياسية، وأثارت الشكوك حول حقيقة دوره في معادلات القوة الإقليمية. ومهما كانت طبيعة الرد المرتقب، فإن الشرق الأوسط يبدو أكثر فأكثر رهينة سيناريوهات غير واضحة، تُرسم في غرف القرار الكبرى، وتُنفذ بأدوات محلية، فيما تبقى الشعوب وحدها من يدفع الكلفة الباهظة لهذه اللعبة الدولية المعقدة.
بقلم: حسن كرياط : باحث في الاعلام والمرصد الوطني للدراسات الإستراتيجية

تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News