الثقافةالرأي

إهتمام النسيج المدني بسوس بالموروث اللامادي دليل على الرقي الجمعوي والنضج المجتمعي والوعي الهوياتي

  • بقلم امحمد القاضي//

من حسنات جو الحرية والانفتاح الذي عرفه المغرب في العقود الأخيرة، تنامي عدد جمعيات المجتمع المدني الغير ربحية على المستوى الكمي والنوعي، إذ فاقت 270 ألف جمعية، تتمتع فيه جهة سوس ماسة بحصة ثقيلة، أغلبها جمعية الدواوير النشيطة التي تعتمد على الموارد الذاتية لتقوية بنياتها التحتية والمجتمعية التي عرفت تهميشا مقلقا إلى غاية أواخر القرن الماضي.

وظل هم النسيج الجمعوي السوسي يركز على التنمية والتعاون، كما تحمل جل تسميات جمعيات الدواوير. ويمكن الإشادة لما حققته الجمعيات ميدانيا من حيث تبليط الطرقات، حفر الآبار، تزويد الساكنة بالماء الصالح للشرب، خلق بعض التعاونيات النسوية المهتمة بتثمين المنتوجات المجالية، منها ما حضي بتمويل من الصناديق المانحة وأغلبها إعتمد على دعم مادي من جود الفاعلين الإقتصاديين المحليين، والمغتربين بالحواضر وخارج الوطن. وهذا كنز تنفرد به منطقة سوس لما يحمله السوسي من غيرة على بلدته ووطنه كواجب معنوي وأخلاقي تجاه مسقط رأسه.

وفي السنوات القليلة الأخيرة بدأت تطفو على السطح جمعيات تعنى بالنهوض بالجانب الثقافي والتربوي، والموروث الثقافي والإرث التاريخي وتقوية الهوية الأمازيغية للأرض والإنسان إضافة للحفاظ على البيئة واماكن الذاكرة، وكذا العناية بالبحث والتوثيق.

تعتبر هذه القفزة النوعية منعرج مهم في الوعي بالخصاص المهول الحاصل على مستوى التوثيق، والكتابة والأبحاث الميدانية والدراسات الأنثروبولوجية والفعل الثقافي إنقادا لما قد يعرض الموروث اللامادي للأماكن للإندثار.

وخاصة انه مع توالي السنوات تفقد المنطقة مسنيها الذين يعتبرون خزانا للذاكرة الجماعية، وكما يقال: عند موت كل معمر، تحترق مكتبة.

وعلى سبيل المثال لهذا الإهتمام بجانب الموروث الثقافي واللامادي تتركز بمنطقة تيزنيت عدة مراكز للبحث منها مركزي أكلو وتيملت للبحث والتوثيق مركز توسنا للدراسات والأبحاث، ودار الخنبوبي.

ما يميز ويجمع هذه المؤسسات الثقافية انها أنشأت بوسائل أصحابها الخاصة بمنازلهم وسط بوادي سوس، ويسيرها أساتذة، ودكاترة وباحثين أكاديميين، ينتجون إصدارات مهمة لحفظ الذاكرة المحلية، وينشطونها على مدار السنة بإقامة ندوات فكرية وحلقات ثقافية وأنشطة فنية يحضرها تلث من المهتمين والشغوفين بالمجال الثقافي الشبه منعدم بسهول سوس.

بينما منطقة أدرار برح نسيجها الجمعوي نقطة البداية لسنوات، مع تفاوت طفيف بين المناطق، ويكافح من أجل التنمية والتعاون، رغم تواجد عدة أطر مثقفة تغلب عليها الأنا الجمعوية، ويمتص جهودها التهافت نحو السبق الميداني للمشاريع البسيطة، ويفرمل إنفتاحها البنية الذهنية المهترئة للبعض منها.

الملاحظ، انك كلما إبتعدت عن السهل وتغولت صعودا نحو الجبال، كلما إقتربت من الإنغلاق على الذات الجمعوية، رغم تميز أهل الجبال بقيم الكرم والضيافة والتشبت بالأرض وغيرها من قيم النبيلة.

إستوقفتني هنا عند مناسبة الملتقى الأول لذاكرة المقاومة بالأطلس الصغير الغربي المنعقد مؤخرا بكل من أيت عبد الله وإداوكنضيف وتافراوت وأملن، أولا غياب بعض الوجوه المعروفة بايت عبد الله في الميدان الجمعوي رغم أهمية الحدث في إحياء الذاكرة التاريخية للمنطقة، علما أن معارك أيت عبد الله والمقاول عبد الله زاكور دخلا التاريخ المنسي من بابه الواسع. كما يقول المثل المغربي الشعبي: “مني حتاجيتك أوجهي، قمشوك المشاش!”

ثانيا القراءة السطحية للوقائع، بعد ملاحظة خروج بعض الأصوات النشاز على مواقع التواصل الإفتراضي تقزم الحدث ذو الإشعاع الوطني، والحضور الرسمي الوازن، والدعم المعنوي والمادي لذوي النيات الحسنة، تتحدث وراء شاشات الهواتف المضيئة عن الوطنية وإستحقاق أهلها التكريمات، وتتباهى بتاريخ نضالي غاب وصمتوا عنه لقرن من الزمن، وزاغت تدخلاتهم لدرجة السب والشتم.

ومنهم أقلية أخرى قليلة سقف مطالبها في الحياة الهبز والقوت اليومي. ففضلت التركيز على توزيع القفف على فقراء المنطقة، متناسين أن الإنسان لا يحيى بالخبز وحده أحيانا. االإنسان ذاكرة، الكائن كرامة، البشر عزة النفس، والمرء سلوك وأخلاق، والوجود غيرة وطنية وتاريخ ووعي بالذات والهوية الجماعية. والمستقبل ما إكتنزته الذاكرة وخلفته للخلف.

نحصد بأدرار (على ما يظهر بالمغرب كله) نتيجة ضعف الإستثمار في العنصر البشري، وغياب التربية وبرامج بناء القدرات الذاتية للأشخاص، والتكوين على مبادئ القيم الإنسانية والسلوكيات الإيجابية وأخلاقيات التواصل. وبالمقابل يتم تشجيع العشوائيات في المعاملات والتركيز على الماديات، والنفخ في نفوس النمادج السلبية، وإطلاق العنان لحرية لا تقف عند بداية حرية الآخر، مما أدى لضعف منسوب الوعي وقلة الإحترام والنضج المجتمعي القادر على تطوير إهتمامات الساكنة من القوت اليومي لما هو أسمى وارقى من حاجيات وضروريات الإنسان البدائي.

تجربة ودرجة الإهتمام بالموروث الثقافي دليل المنطقة على رقي الوعي المحلي وسمو أخلاق أهلها. ونجاح الملتقى مقياس شغف وعطش جل الساكنة والحضور بإنقاد موروث كاد أن يطويه الزمان.

ويحضرني هنا بيت الشاعر الحكيم المتنبي: ” فإذا غامرت بشرف مرور### فلا تقنع بما دون النجوم.”

ولا نملك الساعة بأدرار، إلا الإستمرار في التضحية من أجل موروث مشترك، والدعاء لله لحفظ تاريخنا وذاكرتنا، وهويتنا وعرضنا من الإندثار التدريجي والزوال.

اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا.

ونختم ببيت شعري لزهير أبي سلمى: “وما المرء إلا كالظبي بأرضه### إذا لم يكن له فيها حياء”.

  • بقلم امحمد القاضي
    رئيس جمعية تيويزي للتنمية الإجتماعية لأيت عبد الله بإقليم تارودانت
          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى