الجهة اليوم

إلحاق إقليم تنغير بركب التنمية: 10 مفاتيح لتفكيك “البلوكاج التنموي”

يعيش إقليم تنغير أوضاعا اقتصادية واجتماعية وثقافية وبيئية صعبة تستوجب تدخلا عاجلا من مستويات عدة.

لقد مرت الآن 15 سنة على إحداث هذا الإقليم الذي كتب له أن يعيش كاليتيم بين جهتين : جهة سوس-ماسة-درعة، سابقا ؛ تم جهة درعة-تافيلالت، لاحقا.

على مدى العقد والنصف من عمره، عاش إقليم تنغير أحداث مختلفة.

كانت البداية مع مسيرة احتجاجية عارمة في دجنبر 2010، جاءت في خضم مطالب تنموية مرتبطة بتدبير العقار كقاعدة لتحفيز الاستثمار.

شهرين بعد ذلك، إندلعت “حركة 20 فبراير” وحملت معها مطالب العدالة الإجتماعية والمجالية، لكن تجاوب الخطاب السامي الذي ألقاه جلالة الملك في 09 مارس 2011 مع الدينامية المجتمعية الجديدة جعل المغرب بعيدا عن تلك التحولات المأساوية التي آل إليها ما سمي ب “الربيع العربي”.

ظل إقليم تنغير، على مدى سنوات عديدة، يعيش ارتدادات هذه التحولات، وكان “حراك إميضر” وحركات احتجاجية أخرى من قبيل احتجاجات المعطلين والطلبة، والحركة الثقافية الأمازيغية، وحراك الأراضي السلالية، واحتجاجات الساكنة المتضررة من الجفاف ومن المياه العادمة وغياب مرافق الصحة، تم احتجاجات أبناء الإقليم المقيمين بالخارج، وتظلمات التجار والمقاولين من القهر الضريبي، ومطالب الفاعلين في المجال السياحي والسينمائي والفلاحي والمعدني..إلخ، كل هذه الديناميات المجتمعية ظلت عناوين شبه يومية على صفحات الجرائد الوطنية ومواقع التواصل الاجتماعي وتظهر مدى تردي الأوضاع بهذا الإقليم.

وفيما كانت تتوالي الاستحقاقات الانتخابية ما بين 2011، و2015، و2016، تم 2021، حاملة معها منتخبين جماعيين وإقليميين وممثلين في مجلس الجهة وفي المؤسسة التشريعية، كانت الإدارة الترابية تجري تغييرات دورية في صفوف رجال السلطة، ليتعاقب على إدارة الإقليم عمال وكتاب عامون وباشوات ورؤساء أقسام، كما تعاقب عليها أيضآ مدراء إقليميين لتسيير مصالح الدولة اللاممركزة.

تغييرات كثيرة لا تعد ولا تحصى، لكن، بالرغم من كل ذلك، ظلت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية بإقليم تنغير كما هي، بل تفاقمت وازدادت سوءا خاصة مع توالي سنوات الجفاف وتنامي الهجرات، وهو ما أدى إلى بروز ما يشبه “بلوكاج تنموي” معقد للغاية وصعب التفكيك.

إقليم تنغير، ولنقلها بكل صراحة ومسؤولية، يعيش اليوم وضعا سيئا للغاية، ويستدعي تدخلا عاجلا من مستويات عدة، وبأبعاد ومقاربات مختلفة.

عشر مفاتيح يمكن أن تساهم في تفكيك هذا البلوكاج التنموي، نوردها هنا كمساهمة في سبر أغوار هذا الوضع، وبإيجاز شديد:

1. مفتاح الثقة:
الدولة، ولا نقول الحكومة، هي حاملة هذا المفتاح، ولأجل إعادة تقوية هذه الثقة يستوجب الأمر العودة لقراءة التاريخ، وتحديدا ما وقع سنوات 1692، و1816، و1893، و1919، و1933، و1955، و1973.. ومن أجل إعادة فتح أبواب هذه الثقة وإرساء مصالحة تاريخية، يجب قراءة التاريخ وفهم الحاضر لاستيعاب تحديات المستقبل.

2. مفتاح الإرادة:
هذا المفتاح مرتبط بالتصور الذي تريده الدولة لدور جهة درعة-تافيلالت في الجهوية المتقدمة وفي النموذج التنموي الجديد. إقليم تنغير يوجد في قلب هذا التصور المندمج لإرساء اللامركزية والديمقراطية التشاركية.

3. مفتاح العدالة:
هذا المفتاح هو الكفيل بفتح باب الإنصاف المجالي والعدالة الإجتماعية كأساس لأي تنمية حقيقية ومستدامة في الإقليم. الدولة مطالبة بصياغة وتفعيل برنامج تنموي شبيه ب “مشروع مارشال” لإنقاذ جهة درعة-تافيلالت وإقليم تنغير من التخبط التنموي الذي يعيشانه. برنامج التنمية الجهوية PDR، والمخطط الجهوي لإعداد التراب SRAT، اللذان صادق عليهما مجلس جهة درعة-تافيلالت مؤخرا أضحيا متجاوزين ولا يمكن لهما إطلاقا تحقيق التنمية المنشودة بالجهة وبالإقليم. تمة إحساس أن المصادقة على هاتين الوثيقتين تمت فقط بهاجس الملائمة مع مقتضيات القوانين التنظيمية ذات الصلة. التنمية الحقيقية لن تحقق إطلاقا بالمصاقة على وثيقة تنموية لل 25 سنة المقبلة تم عرضها في 6 دقائق وفي دورة عادية لم تعقبها أي مناقشة ولم تشارك الساكنة في بلورتها.

4. مفتاح المصداقية crédibilité والصدقية fiabilité:
عديد من مؤشرات التنمية بجهة درعة-تافيلالت وبإقليم تنغير تحديدا تحتاج للمراجعة. فبين هذه المؤشرات والواقع المعاش بون شاسع. التنمية الحقيقية لا يمكن أن تبنى على مؤشرات مشكوك في مصداقيتها وفي صدقيتها.

5. مفتاح الحكامة:
الحكامة هي بمثابة المفتاح الذهبي للتنمية. لا يمكن بتاتا إرساء تنمية حقيقية ومستدامة دون محاربة الفساد وقطع دابر الريع وربط المسؤولية بالمحاسبة من خلال قضاء نزيه. التنمية بجهة درعة-تافيلالت وإقليم تنغير مرتبطة بمدى إعمال هذا المفتاح، مفتاح “خميسة” تتوسطها عين رقابة الدولة القوية بهيبة القانون.

6. مفتاح الديمقراطية التشاركية:
هذا المفتاح مرتبط بالفصل 12 من الدستور. يستوجب تنمية إقليم تنغير إنخراط كافة الفعاليات والديناميات في الأوراش التنموية التي سيتم إطلاقها، وذلك من خلال مشاركة فعلية، حرة ومستنيرة للساكنة، كما تؤكد على ذلك المواثيق الدولية وخاصة منها الاتفاقية 169 لمنظمة العمل الدولية.

7. مفتاح تجديد النخب:
إقليم تنغير بحاجة ماسة لهذا المفتاح لفتح أبواب التنمية المغلقة بفعل بلوكاج تساهم فيه أحزاب سياسية معينة. لقد تميز إقليم تنغير في الاستحقاقات الانتخابية ل 2021 ببروز “حركة شباب التغيير”، وهي دينامية حققت، لوحدها دون دعم من أي جهة، بعض النتائج الإيجابية، لكن سرعان ما تم الالتفاف عليها من قبل “أعيان” يقبطون بعنق المجالس المنتخبة بالاقليم والجهة وبالمؤسسة التشريعية منذ عقود كما تقبط الوحوش بأعناق الفرائس الأليفة. حان الوقت لكي تتخذ الدولة القرار المناسب للمساهمة في حدوث التغيير الإيجابي عبر تجديد النخب.

8. مفتاح الكفاءة:
لايمكن بناء تنمية حقيقية دون إعمال معايير صارمة في اختيار الكفاءات لتدبير الشأن العام. جهة درعة-تافيلالت وإقليم تنغير تحديدا تزخر بكفاءات كثيرة وكثيرة جدا تستفيذ منها جهات أخرى، بل حتى دول عبر العالم. الدولة مطالبة بالحزم في تمكين الكفاءات المحلية من المشاركة الفعلية في تدبير شؤون الجهة والإقليم. حان الوقت لإنهاء دور وسطاء الريع والسماسرة الفاسدين وتجار الأزمات.

9. مفتاح الإدماج:
النساء والشباب والأشخاص في وضعية إعاقة، وأبناء المنطقة المقيمين بالخارج، والمهاجرين، والرحل والمسنين، والأقليات.. كلهم رافعات لتحقيق التنمية المستدامة بإقليم تنغير. لا يجب ترك أحد خلف الركب.

10. مفتاح الشراكة في الثروة، والقيم والأهداف:
إقليم تنغير وجهة درعة-تافيلالت يتميزان برصيد حضاري غني ممتدة جذوره في أعماق التاريخ. هذا الرصيد الحضاري مبني على أسس الشراكة في تدبير الثروة والقيم والأهداف، وهذا الرصيد هو موروث مادي ولامادي يشكل اليوم عبر العالم عماد الجيل الجديد من أهداف التنمية. إقليم تنغير غني بثرواته الفلاحية والسياحية والمعدنة والبيئية والثقافية..، غني أيضآ بقيمه الحضارية الأصيلة المتوارثة عن تاريخ يمتد لأكثر من 5 ألاف سنة. هذا الموروث الحضاري يمكن أن يتحول إلى رافعة ثنموية قوية من خلال الصناعات الثقافية والابداعية والبيئية كفيلة بتحقيق تنمية مستدامة تستفيد منها الجهة والوطن. الدولة واعية بالموقع الإستراتيجي لجهة درعة-تافيلالت، وفي صلبها إقليم تنغير، وخاصة في علاقتها بمنطقة الساحل والصحراء وأيضا في إمتدادها القاري تجاه العمق الإفريقي والفضاء الأطلسي والحوض المتوسطي للمغرب. الدولة تستوعب جيدا هذه التوجهات الجيوستراتيجية، وجهة درعة-تافيلالت وإقليم تنغير بحاجة ل “لوكالة تنمية أقاليم الجنوب الشرقي” لتحويل المنطقة إلى منصة لإطلاق دينامية تنموية تترابط عضويا مع جهات الشمال والوسط والجنوب.

هذه إذن عشرة مفاتيح يمكن من خلالها المساهمة في فتح أبواب التنمية بإقليم تنغير وبجهة درعة-تافيلالت، هذه المنطقة التي تعيش وضعا مقلقا للغاية تحول مع مر السنين إلى بلوكاج تنموي.

بقلم: عبد الواحد درويش

          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى